انسحاب القوات الاجنبية من افغانستان : التداعيات والسيناريوهات
تقرير خاص بحلقة وصل
بعد حوالي عقدين سينتهي الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان بحلول سبتمبر المقبل (2021). ورغم أنه كان من الممكن أن يمثل هذا التطور نقطة تحول إيجابية كبيرة في تاريخ أفغانستان، لكن على العكس، هناك مخاوف ضخمة من تبعات هذا الانسحاب، بالنظر إلى ما قد يرتبه ذلك من سيناريوهات عدة على مستوى الوضع الداخلي، أو على مستوى الصراعات الدولية والإقليمية على أفغانستان، وهي سيناريوهات سلبية في المجمل يعززها انقسام النخبة الأفغانية وضعف مؤسسات الدولة الأفغانية، سواء القوات الأمنية أو مؤسسات إنفاذ القانون وانحسارها عن مساحة كبيرة من الأراضي الأفغانية.
ورغم وجود توافقات دولية وإقليمية على أهمية الاستقرار في أفغانستان، وأن عدم سيطرة طالبان على الدولة مرة أخرى يظل هو البديل الأمثل لجميع القوى الدولية والإقليمية -رغم ما بينها من تناقضات وصراعات- لكن لا تزال هناك أسئلة عديدة حول سبل تحقيق تعاون دولي وإقليمي فاعل في أفغانستان يضمن تحقيق هذا الهدف المشترك؛ وبجانب صعوبة تحقيق هذا التنسيق فقد استعدت بعض هذه الدول بالفعل للتعامل مع سيناريو عودة طالبان للحكم مرة أخرى، ما يجعله سيناريو أقرب إلى الواقع في ظل صعوبة المراهنة على الحكومة الأفغانية.
وهناك تداعيات عديدة متوقعة، سواء على صعيد التوازنات الداخلية أو على صعيد التفاعلات الدولية والإقليمية حول أفغانستان. يناقش هذا المحور التداعيات على المستوى الداخلي لأهميتها.
توسع سيطرة طالبان على الأراضي الأفغانية
إحدى النتائج الأساسية المباشرة لانسحاب القوات الأجنبية هو سيطرة طالبان على المزيد من الأراضي الأفغانية. وقد سرّعت طالبان من هذه الاستراتيجية مع بدء عمليات الانسحاب وما ترتب على ذلك من حدوث فراغ في القوة، ما سيؤدي إلى قلب موازين القوى مع الحكومة الأفغانية خلال فترة زمنية قصيرة، ليس فقط بسبب تعزيز القدرات القتالية لطالبان في مواجهة قوات الأمن الأفغانية، ولكن بسبب الدور الذي ستلعبه هذه السيطرة في تسريع تحول ولاءات النسبة الكبرى من المجتمعات والقيادات المحلية الأفغانية إلى طالبان، خاصة مع قدرة الأخيرة على توفير الوظائف التقليدية للدولة، وعلى رأسها وظيفة الأمن التي ستزداد أهميتها النسبية بشكل كبير خلال مرحلة ما بعد الانسحاب، وخاصة في حالة حدوث حرب أهلية، فضلاً عن احتمال تزايد نشاط “داعش” و”القاعدة”.
وتتفاوت التقديرات حول مساحة الأراضي التي باتت تسيطر عليها طالبان بالفعل داخل أفغانستان، ويقدرها البعض بحوالي 70%، لكن الثابت هو تزايد هذه المساحة يومياً مع سيطرة الحركة على المزيد من المناطق بالتزامن مع عمليات الانسحاب. واللافت للنظر أن السيطرة على بعض هذه المناطق يتم بدون مقاومة من جانب القوات الأفغانية، الأمر الذي يشير إلى ضعف هذه القوات أو عدم استعدادها للدخول في مواجهات عسكرية مع طالبان. ويُعد هروب أكثر من ألف جندي أفغاني إلى داخل الحدود الطاجيكية خلال الأسبوع الأول من جويلية 2021 أثناء دخول طالبان ولاية بادخشان مثالاً مُعبراً على ذلك.
ورغم أن إجمالي عدد قوات الأمن الأفغانية بلغ 307 آلاف عنصر في يناير 2021، مقابل 200 ألف عنصر مقاتل يعملون تحت راية طالبان، لكن البيئة الجغرافية في أفغانستان لا تجعل موازين القوى ترتبط مباشرة بالأعداد.[2] كما لا يزال الجيش يعاني من مشكلات ضخمة، بدءاً من الانقسامات العرقية والمذهبية وعدم التمثيل العادل للمكونات العرقية داخل هيكل القيادة، وانتهاءً بطبيعة التسليح. ورغم أن الولايات المتحدة سوف تحتفظ بحوالي 700 جندي عقب الانسحاب، لكن هؤلاء لن يكونوا جزءاً من ميزان القوة مع الحركة، إذ ستنحصر مسؤوليتهم في حماية المجمع الدبلوماسي و مطار كابول وتقديم الاستشارات لقوات الدفاع والأمن الأفغانية.
تراجع متوقع في أنشطة التدريب ومكافحة الإرهاب
في المراحل الأولى من بدء الانسحاب الأمريكي أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترمب، أن تخفيض حجم القوات العسكرية الأمريكية لن يؤثر على الالتزامات الأمريكية تجاه أفغانستان، سواء فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب أو التدريب أو تقديم الاستشارات أو تقديم الدعم للقوات الأفغانية. وقد أعاد الرئيس بايدن التأكيد في خطابه في 14 أفريل 2021 على أن “الولايات المتحدة سوف تعيد تنظيم قدراتها الخاصة بالحرب على الإرهاب وقدراتها في المنطقة لمنع إعادة ظهور الإرهابيين مجدداً في أفغانستان”. لكن من الناحية العملية تراجعت مصداقية هذه الوعود لأسباب عدة؛ أبرزها صعوبة تنفيذ بعض هذه الالتزامات، وخاصة مكافحة الإرهاب والتدريب والدعم الفني لقوات الأمن الأفغانية وذلك في ظل عدم وجود قوات أمريكية على الأرض، باستثناء العناصر المسؤولة عن حماية الدبلوماسيين.
ولا تقتصر الشكوك على فرص استمرار الدعم الفني واللوجستي لكنها قد تصل إلى احتمال عدم استمرار الدعم المالي أيضاً، الأمر الذي سيؤثر بالتأكيد على قدرة الجيش الأفغاني على القيام بمهامه الأساسية، وربما عدم قدرته على البقاء. وقد عبر عن هذا القلق بشكل صريح الرئيس الأفغاني أشرف غني في يناير 2018، عندما قال إنه “لا يمكن الحفاظ على الجيش الأفغاني لمدة ستة أشهر بدون الدعم المالي الأمريكي”. وكان الدعم المالي الأمريكي لقوات الأمن الأفغانية (الجيش والشرطة) قد بدأ في التراجع في العام المالي 2021، فقد بلغ خلال الفترة 2014-2020، بمتوسط 3.75-4.5 بليون دولار سنوياً، لكن الكونجرس وافق فقط على 3 بليون دولار للعام 2021.
وطرحت الولايات المتحدة في هذا السياق بديل الانتشار العسكري في بعض دول الجوار الأفغاني، أو استخدام التسهيلات العسكرية في هذه الدول لتنفيذ أية عمليات ضرورية داخل أفغانستان، لكنه بديل يواجه تعقيدات عديدة، وقد رفضته باكستان صراحة.
تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية
لا يوجد تقييم محدد بشأن مستقبل العمليات العسكرية الأمريكية ضد تنظيم” داعش” في أفغانستان (الذي يُقدر عدد عناصره بنحو 2000-4000 لعام 2019). والاحتمال الأغلب هو إهمال الولايات المتحدة لهذه العمليات لأسباب تتعلق بتراجع الأهمية النسبية لأفغانستان بشكل عام لصالح ملفات أخرى على رأسها الصراع مع الصين، وغياب الوجود العسكري المباشر اللازم لهذه المواجهات. ومن ثم يصبح هناك احتمالان بشأن مستقبل تنظيم داعش، الأول هو الدخول في صراع مع طالبان والقاعدة للسيطرة على مساحة من الأراضي الأفغانية تضمن الحفاظ على “ولاية خراسان” كنقطة ارتكاز للتنظيم في منطقة جنوب ووسط آسيا. والثاني هو اضطرار عناصر التنظيم إلى الخروج من أفغانستان -التوجه إلى وسط آسيا أو أفريقيا-وذلك على خلفية إدراك التنظيم صعوبة البقاء في أفغانستان في ظل البيئة الجديدة وهيمنة طالبان والقاعدة.
لكن فيما يتعلق بالقاعدة فإن الاحتمال الأغلب هو استمرار حالة “التحالف” القائمة بينها وبين طالبان لأسباب تتعلق بحاجة طالبان إلى دعم القاعدة خلال المرحلة المقبلة في مواجهة الحكومة الأفغانية حتى وإن ظل هذا الدعم غير معلن وتحت السطح. وقد أكدت تقارير عدة استمرار هذا التعاون بين الجانبين رغم عدم رضا الولايات المتحدة ورغم ما نص عليه اتفاق الدوحة في فبراير 2020 من إلزام طالبان بفك ارتباطها بالقاعدة. فقد تغض الولايات المتحدة الطرف عن هذا “التحالف” طالما أنه لن يستهدف المصالح الأمريكية، وهو الاحتمال الأغلب.
التعليقات مغلقة.