باسل ترجمان
خمسة اشهر منذ تسلمه لمنصب رئيس
الولايات المتحدة الأمريكية كانت كافية لتغيير كل برامج وأفكار الرئيس دونالد ترامب، فبعد بداية اتسمت فيها تصريحاته بكثير من العدوانية ضد دول جوار امريكا وحلفائها التاريخيين في القارة الأوروبية، والحديث عن تهجير سكان غزة وتحويلها الى فيلادلفيا ومساندة تامة لسياسات نتنياهو، ثم حرب الضرائب الجمركية على دول العالم، كل هذه القرارات والمواقف كان لها ارتدادات لم يفكر بها او يتوقعها صناع القرار الجدد في واشنطن.
الرئيس ترامب فهم ان واشنطن لم تعد تحكم العالم، وعاجزة عن تحقيق أياً من هذه الأحلام البعيدة عن الواقع ومستحيلة المنال.
على الجانب الأخر كان هناك تعاطي سياسي واقعي من الظروف والتطورات الدولية ينطلق من فهم المملكة العربية السعودية لدورها وثقلها في الساحة الدولية وتحولها إلى مشارك كبير في صنع السياسات وضمان الامن والاستقرار الدوليين رغم كل الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، ونجاحها في تقريب وجهات النظر في الصراع الروسي – الأوكراني والذي جر القارة الاوروبية إلى ازمة غير مسبوقة عجزت فيها عن اتخاذ القرارات وايجاد الحلول وغيرها من الأزمات والصراعات التي تهدد الامن والسلم الدوليين، وخاصة الدور الكبير في وقف التصعيد العسكري بين الهند وباكستان وما يمكن ان ينجر عنه من الانزلاق لمخاطر حرب نووية .
قرار الرئيس الأمريكي بأن تكون اول زيارة رسمية له خارج الولايات المتحدة منذ تسلمه لمنصبه إلى المملكة العربية السعودية عكست مايمكن تسميته ” بعودة العقلانية” إلى السياسة الأمريكية وفهم ما تغير في العالم والسعي لاستعادة موقع ودور واشنطن في صناعة السياسة الدولية بعد ان تراجعت بشكل كبير جراء غرقها في السعي لتغيير المنظومة الإنسانية لتكون متناسبة مع افكار غير مطابقة للواقع تبنتها وحاولت فرضها وكانت نتائجها كارثية على الولايات المتحدة والدول التي فرضت فيها هذه السياسات.
وفد من كبار رجال الصناعة والأعمال رافق الرئيس الأمريكي على امل بناء مستقبل مشترك لا مجال فيه لغير الندية والتعاون لصالح البلدين وهذا ما كان واضحا للجميع من خلال اتفاقات الاستثمار المشترك والتعاون البناء.
ما يمكن اعتباره اكثر أهمية من الاتفاقات الاقتصادية والتعاون يتمثل في الإقرار الأمريكي بثقل الوزن السياسي والدبلوماسي للملكة في السياسة الدولية لان الزيارة تجاوزت العلاقات الثنائية بين البلدين، وتحولت إلى اعادة ترتيب لأوضاع مضطربة في المنطقة وتفاهمات حول سبل تعزيز السلام والأمن الدوليين واعتراف كامل بالدور الكبير للمملكة في ذلك .
القمة الخليجية التي دعت لها المملكة وحضرها قادة الدول الخليجية للقاء الرئيس الأمريكي كانت ذات منحى سياسي بالأساس ورسالة سعودية بوحدة الموقف الخليجي كرؤية موحدة في الدفاع عن مصالح شعوبها وحماية امنها واستقرارها، كما كان قرار رفع العقوبات المالية والاقتصادية عن الشعب السوري رسالة لحجم اهتمام قيادة المملكة بكل نواحي الاستقرار في الشرق الأوسط.
الفعل السياسي للملكة لم يأت من فراغ أو من الثقل المالي لها بل نتيجة لسياسة خارجية عقلانية تقوم على مبادئ التزمت بها منذ عقود أساسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد وتعزيز التعاون لمصلحة الشعوب وضمان الأمن والسلم الدوليين والسعي لحل الازمات بالوسائل السلمية.
هذه النجاحات شكلت ترابط بين التغيير الكبير الذي تشهده المملكة في رؤية واقعية عقلانيه جسدها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في رؤية 2030 والذي ظهرت نتائجه جلية في الواقع الاقتصادي والاجتماعي وفي تعزيز دورها في ضمان الأمن والسلم الدوليين.
الاعتراف الأمريكي والدولي بثقل وقيمة السعودية في المشهد السياسي الدولي افتك بجدارة بعمل وجهد جبار قادته سياسة واقعية افرزت كل هاته النتائج ونجاح دبلوماسية المملكة في تفكيك عديد الازمات الدولية المعقدة لم يأت من فراغ بل نتاج منطقي وترجمة لقيمة ووزن دورها السياسي في العالم. القمة الخليجية التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأمريكي خلال زيارته للمملكة وتمت بمبادرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كانت رسالة واضحة للجميع أن الأشقاء في دول الخليج تجمعهم مواقف موحدة في حماية مصالح شعوبهم ومستقبل منطقتهم وضرورة بقالها في معزل عن أي تهديد للامن والاستقرار في المنطقة، والرسالة فهمت مباشرة من الرئيس الأمريكي وترجمها في تصريحاته الموجهة لمن كان العالم يعتقد انهم أقرب حلفائه واصدقائه الذين تجاهل ذكرهم خلال زيارته تماما.
المملكة أكدت خلال زيارة الرئيس الأمريكي ان الريادة في العالم تفتك بالقوة الهادئة والعقلانية، لا تمنح من احد ونتاج سياسات داخلية ناجحة يتابعها العالم اجمع، وتعبير عن اعتراف دولي بثقل دورها في حل الازمات العالقة وضمان الأمن والسلم الدوليين.
التعليقات مغلقة.