عبير موسي هل من الحقيقة او من الخيال أنها كانت ستكون رئيسة تونس سنة 2024
بقلم رضا بوخريس
السيدة عبير موسي المحترمة
هي اليوم بالسجن بعد أن رفعت ضدها قضايا مختلفة لا يعرفها بدقة كاملة الا القضاء التونسي الموقر.
و بما أنه لا دخل لي كمواطن في الشأن القضائي و لا معرفة لي عميقة وكاملة و دقيقة بما هي متهمة به فانى سأحترم حدودي و أكتفي بالقول “ربي يلطف بها” و “اللهم لا شماتة”.
أذكر هنا كذلك أنى ساندت كتابيا على الفيسبوك ، السيدة عبير موسي سابقا كلما تعرضت بالبرلمان المنحل الى ظلم حركة “النهضة” و أتباعها أو الى العنف اللفظي و الجسدي للبلطجية و المخبرين القدماء.
وهنا فحص لمسيرة هذه السياسية التونسية أريده أن يكون موضوعيا و دقيقا و بعيدا عن العاطفة و التشنج و الثلب و أن لا يثير أبدا غضب الباحثين عن الحقيقة خارج التعصب الحزبي و السياسي. كما أني أريده محاولة صادقة لتقديم جواب موضوعي واقعي الى الذين يقولون اليوم ان “عبير موسي كانت تكون رئيسة تونس لو أنها تقدمت الى الانتخابات الرئاسية لأكتوبر 2024 ” رغم انتمائها الذي لا تنكره لللجنة المركزية لحزب “التجمع” المنحل و رغم كل ما نقرأه ضدها و ضد حزبها في الصحف و على الفيسبوك” و نسمعه فى الاذاعات و التلفزات.
السيدة عبير موسي مولودة سنة 1975 بمدينة جمال وكان عمرها 12 سنة لما قام، في 7 نفمبر 1987 ، المرحوم زين العابدين بن علي، الوزير الأول، بانقلابه “الصحي” ضد الرئيس المرحوم الحبيب بورقيبة باعانة ممكنة و واردة جدا من المخابرات الأمريكية. و قد كان عمرها 25 سنة لما توفي، في 6 أفريل 2000، هذا الزعيم الوطني.
و تم تعيينها، في 12 جانفي 2010 ، “الأمينة العامة المساعدة للتجمع الدستوري الديمقراطي(RCD) مكلفة بشؤون المرأة”، لما كان أمينه العام السيد محمد الغرياني الذي تحول خلال “العشرية السوداء” الى الكاتب الخاص بالبرلمان للسيد راشد الغنوشي رئيس حركة “النهضة”، و لما كان أمين مال هذا الحزب السيد عبد الله القلال الملاحق قضائيا وعالميا من أجل ارتكاب جرائم التعذيب و قتل بعض المعارضين من بينهم المواطن التونسي كمال المطماطي تحت التعذيب لما كان وزير داخلية في حكم الرئيس المرحوم بن علي.
و السيدة المحترمة عبير موسي انخرطت في حزب “التجمع” 4 سنوات فقط بعد وفاة الزعيم بورقيبة، أي سنة 2004 ، قبلت بهذه المهمة (سنة 2010) التى جعلتها تكون عضوة اللجنة المركزية –صاحبة القرارات الخطيرة- لحزب “التجمع”، 23 سنة بعد تنحية المرحوم بورقيبة من السلطة. و في تلك السنة (2010) كانت قد مرت على وفاة الزعيم بورقيبة 10 سنوات فقط و لم يكن قد دخل بعد عالم النسيان الا لدى من تناساه عمدا أو لدى من أصيب بفقدان الذاكرة.
و السيدة عبير موسي أعلنت يوم 12 فيفري 2011 -قبل أكثر من شهر من اعلان المحكمة الابتدائية بالعاصمة حل حزب “التجمع الدستوري الديمقراطي”- في “رسالة مفتوحة” منشورة بامضائها على صفحات جريدة “الشروق” عن استقالتها من حزب الرئيس السابق بن علي و من مسؤوليتها بادارته المركزية. و طالبت بمحاسبة المفسدين و المرتشين. كما أنها اعترفت بما سمته “ثورة الشباب” و “انتفاضة شعبنا” و “الثورة التاريخية”، وذلك قبل أن تتراجع في موقفها الأول وتصرح بكل طلاقة في اذعات مختلفة “انها ضد الثورة التونسية منذ انطلاقها و أن افضل رئيس مر على الشعب التونسي هو زين العابدين بن علي و أنها فخورة بتقلدها مناصب قيادية في هياكل “التجمع الدستوري الديمقراطي”.
و لكن رغم هذه التصريحات ورغم ان السيدة عبير كانت طفلة لما أخرج بورقيبة بالانقلاب من الحكم و رغم انها قبلت بأن تعمل مع بن علي الذي غدر بولي نعمته و أطاح به و اعتقله في “بيت الوالى” بالمنستير طيلة 13 سنة و منع عنه الزيارات والأحباب و التجوال و حرمه ظلما من جنازة رسمية، و رغم انه ليس لها أي علاقة حقيقية موضوعية بنضاله و فكره، ها هي تقول أنها تستمد، من الارث السياسي والايديولوجي البورقيبى، الأفكار الرئيسية المهيكلة لحزبها المسمى “الحزب الدستوري الحر”و هو حزب وريث حزب “الحركة الدستورية” الذي أسسه سنة 2013، قبل أن يفشل في تجميع “التجمعيين” المختفين و يعتزل السياسة نهائيا، المرحوم حامد القروي، الوزير الأول للرئيس السابق بن علي لمدة 10 سنوات كاملة والذي لا يخفى “علاقات الود والاحترام” التى كانت تجمعه بالنهضاوي حمادي الجبالي، صديق ابنه نجيب القروي المناضل بحركة “النهضة”.
وراء هذه الواجهة الدستورية البورقيبية، فضلت السيدة عبير موسي التظاهر بالتخلص الاستراتيجى من انتمائها القديم و الثابت للمدرسة الشمولية الاستبدادية لحزب “التجمع” المعروف ب “المفسدين و المرتشين” كما كتبت هي نفسها في “رسالتها المفتوحة” و الذي كانت قد وقفت سنة 2011 ضد حله اداريا و قضائيا و خاضت نضالها المشهود و الحق يقال الشجاع و الشرس أولا ضد حركة “النهضة” و كل المتحالفين معها موضوعيا او بصورة مباشرة من اليمين السلفي الى اليسار الماركسي.
و بعد ليلة 25 جويلية 2021 الجماهيرية ضد حركة “النهضة” التى استجاب لها و قادها وحسم في نتائجها الصارمة رئيس الجمهورية الحالي، حولت السيدة عبير موسي وجهة نضالها تجاه الرئيس بعد أن كانت تقول في شهر فيفري 2020 انه “يجب تنقيح دستور 2014 الذي جعل تونس أضحوكة بين الأمم” وبعد أن كانت تعد مناصريها بارجاع جماعة “النهضة” الى المعتقلات يوم تأخذ السلطة، و بعد أن وافقت أولا مع حزبها على “القرارات الاستثنائية” التى اتخذها هذا الرئيس من تجميد للبرلمان ورفع حصانة عن نوابه. لكنها سرعان ما انقلبت على تصريحاتها المساندة للسيد قيس سعيد وغيرت موقفها يوم 29 من نفس الشهر (أي 4 أيام فقط من اتخاذ تلك القرارات الاستثنائية) و كتبت على صفحتها بالفيسبوك :
“نحن نواب شعب ما زالت لدينا صلاحيات”… وتوجهت لرئيس الجمهورية قائلة :”قمت بتجميد عمل مجلس النواب، لكن لم تنزع صفة نائب شعب عليّ أو على غيري، وأنا ما زلت نائب شعب منتخب”.و”تابعت بأنه لا يمكن رفع الحصانة بمقتضى الفصل 86 من الدستور التونسي، سواء من قبل رئيس الجمهورية أو القضاء أو أي طرف آخر، باعتبارها حصانة مطلقة”.
و يقول الصحفي خليل الحناشي في خصوص هذا التغير السريع و العجيب في موقف السيدة عبير و حزبها “انه لم يكن ليتغير لولا الإحساس المفرط الذي أحاط بهما بعد أن حصد قيس سعيد ثمار الأزمة والترذيل الذي عرفه قصر باردو منذ الجلسة الأولى له سنة 2019.
ومن جانبه قال المحلل السياسي بولبابة سالم : “كانت موسي تعتقد أنها رقم واحد في تونس وأنّها تزعمت المعارضة، لكن وجدت أن الرئيس قيس سعيد بعيد عنها كل البعد، ويحظى بشعبية أكبر منها”.
اذن بعد سقوط حركة “النهضة” التى مثلت “الأصل التجاري” الأساسي لعبير موسي حولت وجهة نضالها نحو الرئيس قيس سعيد مستعملة ضده في خطاباتها عبر الفيديوات الكثيرة و المتواترة و في الشوارع كل ما تستطيع من انتقاد و صراخ و سخرية واضحاك و محاولات تقزيم و تحقير. و ابتدأت في الحقيقة عملية سخريتها المضحكة منذ اجتماعها بمريديها فى الشارع يوم 21 جوان 2021 . وصلت بها يومها “تخميرة” اضحاك جمهورها الى الأداء على المنصة التى تخطب منها لشبه سكاتش كوميدي ساخر تقلد فيها بكاريكاتورية مفرطة حركات و طريقة الكلام لدي السيد قيس سعيد الذي هو قبل كل شيء رئيس الدولة التونسية الموقرة ورمزها وممثلها الموقر أمام دول العالم بأجمعه. (الفيديو ما زال موجودا على القوقل).
و السخرية كما يعرفها علماء البلاغة هي “حيلة خطابية حجاجية” يستعملها أحيانا الخطيب السياسي لما يفتقد الحجة المنطقية “بغية الانتقاص من الخصم او المنافس او تحقيره و جعله مثيرا للتندر والتفكه لدى الباث و المتقبل للخطاب في نفس الوقت “. وهي تندرج طبيعيا في باب الثلب والشتم و يحاسب عليها القانون ببلادنا و غيرها . السيدة عبير موسي التى قال المطلعون في البداية أن وراءها ما سمي ب “الدولة العميقة” ووراءها كذلك الناشطون القدامي في حزب “التجمع” و “منظروه” و “المنتفعون منه” و “مثقفوه الانتهازيون من أساتذة الجامعة و من الميدان الاعلامي”، و التى يقول بعض المحللين انها مسنودة أيضا من طرف حكومة دولة الامارات تدعم حزبها بالمال و بالدعاية الاعلامية، أرادت أن تظهر لأنصارها أنها في طريقها المعبدة “المتأكدة” نحو “الانتصار” المسبق و السريع على السيد قيس سعيد و”غزو الرئاسة” قريبا قريبا، فقالت مثلا بثقة عجيبة عن السيد رئيس الجمهورية يوم 6 اكتوبر 2022 في فيديو ما زال يسير على الفيسبوك “ربحتو ربحتو”، كما قالت عنه في برنامج “ماتينال” على “شمس أف أم” يوم 9 ماي 2022 “تحديت قيس سعيد و ربحت الرهان”. هذا اضافة الى قولها أحيانا ضاحكة ساخرة انها تفهم علم “الحقوق و القانون و الدستور” أكثر منه. كما انها كانت تذكر دوما بالجماهير الشعبية التونسية التى تساندها و تقف وراءها و تريدها “زعيمة” كالزعيم الحبيب بورقيبة. ولقد قبلت بتسميتها من طرف أنصارها او منظري حزبها ب “الزعيمة” كالرئيس الأسبق المرحوم الحبيب بورقيبة و امتطت مرة صهوة حصان في لقاء جماهيري مع مناصريها كما لو أنها كانت مثله تعود من المنفى (1 جوان 1955) منتصرة و في انتظارها 500 ألف مواطن تونسي يحتفي بها فخورا باستقلال تونس من ربقة الاستعمار الغاشم. و في كل ذلك توظيف ماكيافيلي للجانب الايجابي و النير لصورة بورقيبة الخالدة في المخيال الشعبي العام. ومنذ جويلية 2021 اشتدت نبرة خطاباتها الفيسبوكية أكثر و أكثر و اصبحت دائما غاضبة امرة مهددة تاركة المجال لهوس السلطة المستبدة الساكن بنفسها يتسرب كل يوم أكثرالى تدخلاتها الحادة و الى تعبيروجهها وحركاتها وهو استبداد أطل بقوة كذلك من عيون و وجوه و أصوات معارضين اخرين مهووسين بالسلطة من كل الأحزاب و قد يكونون مسكونين ب “الميقلوماني”، الشهية المفرطة للنفوذ مع الحب المشط للذات.
و بعد وفاة الرئيس المرحوم الباجي قايد السبسي و تشتت حزبه و تنحية حركة “النهضة” و مشتقاتها و حلفائها من حكم البلاد و انحلال تقريبا كل الأحزاب المعارضة، فكر الكثير من التجمعيين القدامى و أنصار “الحزب الدستوري الحر” أن السيدة عبير ان تقدمت الى الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 فانها ستكون بدون شك “رئيسة تونس” مفكرين أن ماضيها التجمعي لن يمنعها من ذلك و أن حملاتها المستمرة ضد “جمعية القرضاوي” و انتصارها للدولة المدنية و دولة “القانون والمؤسسات” و ما يروه “جماهريتها الساحقة” ستعينها على الفوز بهذه الرئاسة التى هي لم تعد تخفي رغبتها الشديدة فيها.
غير أن الاطلاع أولا على نتائج الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 التى تقدمت لها السيدة عبير موسي مع 25 مترشح اخرين يذكرنا أنها لم تتحصل الا على 135 ألف صوت و 461 و نسبة مائوية ب 4 فاصل صفر 2 من مجموع أصوات الناخبين التى بلغت 3 ملايين و 465 ألف و 184 صوت. و كانت رتبتها التاسعة و لم تمر الى الدورة الثانية. في حين أن الرئيس قيس سعيد كان الأول في تلك الانتخابات و في تلك الدورة ب 620 ألف و 711 صوت و بنسبة مائوية ب 18 فاصل 40، و مر للدورة الثانية أين فاز بالرئاسة ب مليونين و 777 ألف و 931 صوت و بنسبة مائوية ب 72 فاصل 71. و الفرق كما يراه الجميع شاسع جدا بين السيد قيس سعيد و السيدة عبير موسي.
أما الاطلاع الدقيق على كل نتائج عبير موسي في استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2024 فهو يسمح للمطلع الموضوعي بأن يرى بوضوح أنها منذ 24 جويلية 2020الى شهر فيفري 2024 كانت دائما في الصف الثانى او الثالث او الرابع بعد قيس سعيد.
أما الاستطلاعات التى تبين بسرعة أنها كاذبة للمعهد الهلامي Tunisie Meters » « التى صنعت غشا على مقاس الوزير السابق لبن علي المنذر الزنايدي لما أرادت “النهضة” الماكيافيلية أن تضرب به في نفس الوقت السيد قيس سعيد و السيدة عبير موسي، فلقد وضعتها في الرتبة الخامسة بنسبة 3 فاصل 8 في 100 فقط.
و المؤسستان المعروفتان “سيقما كنساي” و “ايمرود كنسلتنق” الجديرتان بالمصداقية العلمية فلقد أعطتها كلاهما من أصوات الناخبين ما يلي و ما يمكنكم التثبت فيه بسهولة :
-خلال سنة 2020 (قبل قرارات 25 جويلية 2021) 12 في 100
-في شهر نفمبر 2021، 5 في 100
-في 6 أفريل 2022، 7 في 100
-في 6 أفريل 2022، 7 في 100
-في ماي 2022، 7 في 100
- في 14 جوان 2023، 8 في 100
-في فيفري 2023، 4 فاصل 6 في 100
-في 9 فيفري 2024، 6 فاصل 2 في 100
أي أن معدل نسبة الأصوات المحتملة لهذه المنافسة طيلة 4 سنوات هو 7 في 100 و لا يدل على أي جماهيرية كبيرة حقيقية و حاسمة. و لا أحد يفكر بعقله يمكنه أن يدعي أن الشعب التونسي بأغلبيته القصوى كان يريدها رئيسة لتونس عوض السيد قيس سعيد الذي اكتسب من أصوات الناخبين في كل استطلاعات الرأي للرئاسية من 24 جويلية 2020الى 9 فيفري 2024 نسبة تتراوح من 72 في 100 (2022) الى 24 في 100 (2024) و لم يفته أبدا أي سياسي تونسي اخرمهما كانت عتاوته و مهما كانت حملاته و حيله و مظاهراته .
بطبيعة الحال هناك من مناصري السيدة عبير من يكذب هاتين المؤسستين و لا يصدق الا حلمه برجوع “التجمع” الى حكم تونس رغم أن الزمن السياسي تقدم اليوم تقدما كبيرا بتونس العتيدة و رغم أن التاريخ لا يمشي الى الوراء. شكرا.
رضا (خليل) بورخيص
أستاذ تعليم عال مختص في اللغة الفرنسية و البلاغة و تحليل الخطاب متقاعد و كاتب تونسي غير متقاعد و مشارك صحفي(Collaborateur) سابقا بجريدة “الرأي”
باحث مستقل .
التعليقات مغلقة.