القوانين التونسية تفشل في كبح التهرّب الضريبي
حلقة وصل
تؤكد أرقام الفساد والتهرب الضريبي أن الحكومات التونسية المتعاقبة فشلت في وضع إطار تشريعي ورقمي ناجع لإيقاف نزيف التهرّب الضريبي والجبائي الذي يكلف الدولة خسائر ضخمة جراء الفساد وسوء الإدارة وبدائية المعاملات المالية والإدارية، ما وسع رقعة الفجوة الجبائية في وقت تتزايد فيه الأرقام قتامة حول الوضع الاقتصادي الذي يعيش أسوأ مراحله.
وكشفت منظمة “شبكة العدالة الضريبية” غير الحكومية أن التهرب الضريبي يكلف تونس من جانب الشركات والأفراد سنويا أكثر من 296 مليون دولار، إذ يبلغ حجم تهرب المؤسسات المحلية نحو 257 مليون دولار أما التهرب الضريبي في الخارج فيبلغ نحو 39 مليون دولار.
ودققت المنظمة في عمليات التهرب الضريبي في كل دولة على حدة في تقرير تقول إنه الأول من نوعه ويحاول إلقاء الضوء على تدفقات مالية معروفة بغموضها.
وعزا الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق حسين الديماسي، “سبب ارتفاع حجم التهرب الجبائي في البلاد إلى ضعف الحكومات المتعاقبة بعد انتفاضة يناير 2011، حيث أن هذه الحكومات لم تكن ناجعة كونها تفتقر لحزام سياسي قوي لمواجهة التهرب”.
وأضاف الديماسي في تصريح لـ”العرب”، أن “النظام السياسي في تونس لا يمكن أن يفرز إلا أغلبية مشتتة، وفي بعض الأحيان هناك آذان غير صاغية لنداءات من شأنها تحسم دور الجباية في تونس”، مؤكدا أنه شخصيا “كان ينادي منذ فترة بضرورة تغيير قانون أبريل 1972 للصادرات”.
ويتعلق قانون 27 أبريل لسنة 1972، بإحداث نظام خاص بالصناعات التي تنتج للتصدير. وقال الديماسي إنه كان له مفعول إيجابي كبير في البداية لكنه أهلك الاقتصاد والمالية العمومية، لأن فيه تحيّلا كبيرا يتم عبر السماح بجلب المواد الأولية دون أداءات، واستغلت الكثير من المؤسسات ذلك باسم التصدير”.
وظاهرة التهرب الجبائي نخرت المنظومة الاقتصادية في تونس وكرست تطبيق القانون على ضعاف الحال مقابل “حصانة” للحيتان الكبيرة ورؤوس الأموال المتحكمة في السوق والإنتاج. ولم يخف وزير المالية السابق ذلك، معتبرا أنه “بعد انتفاضة 2011 القوانين لم تتغير، بل هناك صورة فقط للطبقة السياسية، وفي بعض الأحيان تواطؤ بين من يحكمون وهذه اللوبيات المتحكمة في المشهد لمصالح سياسية وانتخابية أو مادية”.
ويتساءل خبراء الاقتصاد عن أسباب الوصول إلى هذا المستوى من التهرب الجبائي الذي ارتفع حجمه ووصل إلى مستويات كبيرة. وأضحى العبء الضريبي من بين النقاط التي أخذت حيزا كبيرا في قوانين المالية في السنوات الماضية وكانت من بين المحاور المنتظرة من الجميع عند الإعلان عن أي مشروع لقانون مالية جديد، لكن الانكباب على تطبيق القانون ضد المخالفين ظل مجرد شعارات رنانة يتم اللجوء إليها كلما اقتضت الضرورة.
وتساءل وزير التجارة السابق محسن حسن في تصريح لـ”العرب”، “لماذا وصلنا إلى هذا المستوى من التهرب الضريبي؟” مضيفا أن “الضغط الجبائي يصل إلى أكثر من 25 في المئة وهو من أعلى النسب في المنطقة”.
وتابع “المؤسسات الصغرى تفضل عدم الإفصاح المالي، وكان من المفروض على الحكومات السابقة أن تتجه نحو إصلاح إداري يقوم على التخفيض من هذا الضغط الجبائي وهذا ما لم يحصل، فضلا عن ارتفاع حجم السوق الموازية الذي ولد عدم تكافؤ الفرص بين الفاعلين الاقتصاديين، أي أن المؤسسات الفاعلة في القطاع الموازي تجني أمولا كبيرة ولا تقوم بدفع الضرائب، مقابل المؤسسات الاقتصادية ذات الصبغة القانونية التي ترتفع أعباؤها، ما يدفع بجزء منها على عدم الإفصاح المالي”.
كما فسّر وزير التجارة السابق الظاهرة بـ”ضعف إدارة المراقبة الجبائية رغم محاولات الإصلاح المتعددة إلا أنها بقيت في حاجة ماسة إلى الموارد البشرية والمادية وضعف القدرات، وكان يفترض أن يقع دعم الإدارة بكفاءات وتفعيل مبدأ الحراك الوظيفي، فضلا عن تشعّب النصوص القانونية والتشريعات الجبائية التي لا تعتبر محفزا للمؤسسات”.
وختم الخبير الاقتصادي بالقول “هناك ضعف للوازع الوطني وهو عامل مهم.. وأعتقد أن المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، عمقت ظاهرة التهريب الجبائي وهذا ما يتطلب إصلاح المنظومة أكثر من أي وقت مضى”.
وخلصت دراسة تناولت بالتحليل الإمكانيات الجبائية لتونس إلى أن البلاد تواجه صعوبات في تعبئة المزيد من الإيرادات الضريبية على أساس القاعدة نفسها لذلك دعا التقرير إلى تبني إصلاحات في جزأين تعتمد على توسيع قاعدة دافعي الضرائب لضمان العدالة الجبائية واعتماد استراتيجية التشجيع على الامتثال الضريبي كما أن على تونس أن تواصل مكافحة التهرب الضريبي من خلال تحسين الموارد البشرية والمادية وضرورة رقمنة الإدارة.
ولفت التقرير إلى أنه من أولويات الحكومة ضمان تطبيق الحوكمة الرشيدة لتحسين الشفافية، داعيا إلى ضرورة الشروع في الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحديد أولويات الإنفاق العام وتحسين جودة الخدمات العمومية.
وقال التقرير إن تونس مثل أغلب البلدان النامية بعيدة عن امتلاك الموارد الطبيعية لمواجهة تحديات التنمية من خلال خلق توازن بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي. لتجد نفسها في وضعية حرجة فهي مضطرة إلى توفير موارد مالية داخلية لتمويل الإنفاق العام لتحمي نفسها من ثقل الديون التي تهدد سيادتها ومن ناحية أخرى لا بد لها أن تبطئ الاتجاه المتزايد للضغط الجبائي الذي بلغ ذروته في 2014 نسبة 23.1 في المئة.
وسجلت تونس أعلى نسبة ضغط جبائي مقارنة بمعدل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي بلغ المعدل فيها 15.4 في المئة وأعلى كذلك من معدل دول الاتحاد الأوروبي الذي بلغ 20.2 في المئة في العام 2016.
وكانت تونس من البلدان التي عولت إلى حد كبير على مواردها الداخلية وبالخصوص الموارد المالية لتمويل إنفاقها العام وقد مولت العائدات الضريبية ميزانية الدولة بمعدل 60 في المئة ما بين 1986 و2017 .
ومنذ 2011 تفاقم العجز من سنة إلى أخرى بسبب الاضطرابات الاجتماعية وحالة عدم اليقين وعدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي أدى إلى وضع دقيق للمالية العمومية حيث ارتفع العجز من 0.61 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2011 إلى 2.44 في المئة في 2015 و2.74 في المئة في 2016 و2017، وهي مستويات غير مسبوقة في العشرين سنة الماضية.
المصدر: العرب اللندنية
التعليقات مغلقة.