خلع أبواب الإرهاب ، يبدأ بمنع النقاب ..
بقلم : رشيد الكرّاي
عاد النقاب إلى واجهة النقاشات الساخنة التي يتداولها التونسيون بعد القضاء على الإرهابي أيمن السميري بحي الانطلاقة الذي كان يرتدي ذلك اللّباس النسائي الموغل في مفاهيم “الإسلام السياسي” المتطرف الوارد علينا من خارج تاريخ وعادات اللّباس في تونس منذ القدم ، في محاولة منه لتضليل رجال الأمن ، وهم الذين كانوا يتعقّبونه منذ أن نفّذ شريكاه في الإرهاب والإجرام الديني عمليتي شارع شارل ديغول والقرجاني .
وبعيدًا عن تفاصيل العملية وما أعقبها من اكتشاف متفجرات في جامع الغفران بحي الانطلاقة الذي كان يتردد عليه الإرهابي السميري وصحبه وهم كثيرون ، فقد تفجّر في الفضاء العام وخاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي نقاش حول النقاب وعلاقته بالحرية الشخصية ، بين من ينظر إلى هذا اللباس “الإسلامي” كاختيار في الحياة وجب احترامه ما دامت تلك “التي ترتديه” قد اقتنعت به ، فهو في هذا السياق حرية شخصية في بلد مسلم لا يُقبَلُ التدخل فيها، في وقت يربط فيه آخرون بين النقاب وبين الاعتداء على مبدأ الأمن العام ، بما أن النقاب لا يمكّن من الكشف عن هوية حاملته ، ممّا قد يجعله وسيلة لمباشرة بعض الجرائم.
وعلاقة بالرأي الثاني، أرى شخصيا أن النقاب من حيث المبدأ يعتبر حرية فردية شأنه شأن التعري، إلّا أنه حرية فاقدة للمشروعية المجتمعية وتمسّ بالآخرين ، ولهذا تصبح غير مسؤولة وبالتالي مرفوضة ، فكما أن التعري ممنوع قانوناً في كل بلدان العالم ، اللهم في الشواطئ الخاصة المغلقة على العراة بعضهم لبعض، فإن النقاب يجب أن يكون ممنوعا لأنه يخلّ بأهم مبدأ من مبادئ العقد الاجتماعي، هو معرفة هويّة من يسير بيننا في الشارع ، فإن كان التعري يخلّ بالذوق العام ، فالنقاب يخلّ بالأمن العام.
والقاعدة المجتمعية والمدنية التي تتوافق عليها الجماعات الإنسانية تعطي الحق لكل شخص أن يعرف هوية من يشاركه الفضاء العام ومن يخاطبه ويشاركه وسائل النقل ويدخل معه إلى السوق وغيرها من المرافق حتى يكون آمناً، فالنقاب وسيلة جيدة للهروب من العدالة وممارسة كافة أنواع الفسق والجريمة تحت ستار تغطية الوجه ، بل وأصبح وسيلة من وسائل الجماعات الإرهابية سواء لتنفيذ عمليات القتل والتفجير أو للهروب من ملاحقة رجال الأمن وأعينهم كما فعل الإرهابي الشهير أبو عياض وإرهابي حي الانطلاقة .
علاوة عن كل هذه الاعتبارات المجتمعية والأمنية فإن النقاب لا يملك أساسًا دينيًا فهو يبقى تأويلًا وهابيًا خالصًا لبعض الأحاديث الضعيفة جدًا ، فالتونسيون لم يعرفوا مطلقا النقاب بهذه الطريقة ، بل كانت التونسيات يلبسن “السفساري” ويغطين وجوههن وفق طريقة تونسية لا تخفي معالم صاحبتها كما هو الحال مع “السواد الذي يحيط بالمنقبة”.
والحقيقة أن انتشار النقاب الأسود في المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة ، يعود أولا إلى حرب الدولة سابقًا ضد التنظيمات اليسارية بما جعل النظام يعزّز من وجود التيارات الدينية في تونس، وهو ما سمح بدخول الفكر الوهابي المشرقي ناهيك عن الغزو الأخير للفضائيات المشرقية ، وأخذ بعض التونسيين لدينهم من لسان مشايخها، خاصة مع ضعف دور الفقهاء في تونس.
وأما السبب الثاني فهو بكل تأكيد تمركز التيار الإسلامي الإخواني ممثلا بحركة النهضة في الحكم ودواليب الدولة منذ ما سمّي بظهور موجات الربيع العربي ، والذي اتّضح لاحقا وكما تؤكده الأحداث أنه ريح عاتية ، عبري الهوى صهيوني الهويّة والأهداف ، وأن ما جرى ويجري في العراق واليمن وسوريا وليبيا ونذائر الشؤم في الجزائر ، ومؤتمر البحرين الأخير خير شاهد على ذلك . فتلك الحركة هي التي أطلقت أيادي كل التيارات والفصائل الدينية على مختلف تسمياتها ومشاربها وأسبغت الشرعية على تيّار أنصار الشريعة قبل أن ترتدّ عليه ورعت حملاته الدعوية ومؤتمراته وتجمعاته وأعماله التخريبية ضد رموز الفن والحداثة حتى وصل إلى الاغتيال السياسي في مناسبتين . والنهضة هي أيضا التي منحت حزب التحرير ورايته السوداء حق الوجود القانوني مع أنه يتعارض كلّيا مع قانون الأحزاب والدستور ، وهو الذي لا يعترف أصلا بهما ولا بالانتخابات ولا بعلم البلاد . وهذا الحزب يحظى إلى اليوم بالحصانة السياسية لحركة النهضة بشكل يمنع حلّه رغم مطالبة رئيس الجمهورية بذلك ، بما يكشف تواطؤ شركاء الحكم وسكوتهم عن حقّ طال انتظاره من قبل عقلاء هذا الوطن .
ولئن كان منشور رئيس الحكومة الأخير الداعي لمنع لباس النقاب في المؤسسات العمومية خطوة على الطريق الصحيح ، فهو غير كاف ويؤكد أنّ ساكن القصبة ، مكبّل اليدين بشريكه في الحكم حركة النهضة والتي لم ولا ولن تقبل بمنع النقاب كليّا في الفضاء العام وليس فقط بالمؤسسات العمومية ، ذلك أن مخزونها الانتخابي في الشرائح الاجتماعية المؤمنة بمدإ الحاكمية لله والجماعة المسلمة ، لا يسمح لها بمعاداتها في مسألة المساواة في الإرث فما بالك بلباس النقاب …
التعليقات مغلقة.