ليبيا والأفق المفتوح
بقلم : عمر حلمي الغول
مازال المشهد الليبي حافلا بالتطورات السياسية والعسكرية بعد إعلان الجنرال خليفة حفتر في الرابع من أفريل الحالي (2019) تحرير العاصمة الليبية، وذلك من أجل توحيد البلاد تحت راية وطنية واحدة، وللقضاء على الجماعات التكفيرية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين المسيطرة على طرابلس.
ودعا قائد المنطقة الشرقية المحررة قوات الجيش والأجهزة الأمنية والجماعات المختلفة للاستجابة لندائه، وعدم الدخول في مواجهة عسكرية، لإن توجهه للعاصمة، لا يهدف للدخول في أية معارك مع اي ليبي بما في ذلك أركان حكومة فائز السراج، ويطمح لدخول العاصمة بسلام، مشيرا إلى ان سلاح الجيش الوطني الليبي سيوجه لمن يرفض تحرير طرابلس فقط. حسب البيان، الذي أصدره صبيحة ذلك اليوم الخميس. ولكن ما دعا له حفتر، لم يجد آذانا صاغية من حكومة طرابلس، المعترف بها دوليا، ليس هذا فحسب، بل ان الداعمين لها في الغرب الرأسمالي رفضوا وهاجموا الجنرال حفتر وجيشه ودعوته. وجاءت العملية العسكرية الإستراتيجية في حرب المشير حفتر المفتوحة الآن على مداياتها في العاصمة وجوارها، بعد إسبوع من جولة خليجية زار فيها كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبالتلازم مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للعاصمة الليبية، ولقائه رئيس الوزراء، فائز السراج، وعشية عقد المؤتمر الوطني، الذي كان يفترض عقده منتصف الشهر الحالي أفريل (امس)، وأيضا جاءت مباشرة مترابطة مع رحيل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه في الثاني من هذا الإفريل الغني بالتطورات العربية، وتتلازم مع الحراك الشعبي في السودان الشقيق، الذي توج في الحادي عشر من أفريل الحالي بسقوط الرئيس عمر حسن البشير، ورفض حكم الجنرال بن عوف من بعده، الذي إنسحب من المشهد، وولى بدلا عنه الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
ولم تجد العملية العسكرية، التي يخوضها الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة بلقاسم حفتر، كما ذكر آنفا ترحيبا من الولايات المتحدة، ودول الإتحاد الأوروبي، ولا من قطر وتركيا وإيران الفارسية ومن والاهم، وإعتبرتها عملية تهدد الإستقرار الداخلي، وتؤثر على الترتيبات الجارية لعقد المؤتمر الوطني بهدف تنظيم إنتخابات في البلاد لإختيار قيادة جديدة. مما دعاها لدعوة مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة لمناقشة التطورات، وسعت لإصدار قرار ضد حفتر وجيشه، لكن روسيا الإتحادية إستخدمت حق النقض/ الفيتو، وحالت دون إصدار أي قرار في العاشر من الشهر الحالي، أي بعد أسبوع تقريبا من بدء العملية الحفترية.
بطبيعة الحال لم يكن الهدف الحقيقي لإدارة ترامب ومعها حلف الناتو، ومن لف لفهم حماية البلاد من التشرذم، ولا وحدة الوطن الليبي، ولا حرصا على الشعب الليبي، ولا دعما لحكومة السراج، بل دفاعا عن مصالحها في ليبيا، وإستغلالا لثرواتها النفطية والطبيعية الأخرى، وإبقائها في دائرة التآكل والإحتراب الداخلي. لإنها هي من مزق وحدة التراب الليبي، وليس احدا غيرها.
ومن الواضح أن ما يجري في ليبيا، ليس منفصلا عن التطورات على المستويات العربية والإقليمية والدولية، حيث تتصارع القوى المتناقضة وفق حساباتها ومصالحها على الأرض الليبية، وإن كانت القوى الليبية الفاعلة، وخاصة الوطنية والقومية تعمل بخلفيتها السياسية، دون إغفال لكل العوامل والشروط الذاتية والموضوعية، وتحديدا دول الجوار العرب، التي زار حفتر أهمها قبل ثلاثة أيام، مصر العربية، وإلتقى برئيسها السيسي لتدارس التطورات على الأرض.
ومن الثابت أن مصر كان لها دور رئيس في دعم قوات حفتر منذ صعوده في صدارة المشهد الليبي، لا بل يمكن الجزم، ان المحروسة كان لها دور حاسم في وجود وصمود قائد المنطقة الشرقية. ولم تكن دول المغرب العربي بعيدة عن التطورات الليبية، وجلها يدعم بقوة وحدة ليبيا أرضا وشعبا ومؤسسات لإن بقاء حالة الإنقسام والتشظي فيها يخدم القوى المعادية لها، ويعتبرها نقطة إرتكاز للإنطلاق منها ضدها، وضد امنها الوطني والقومي.
ومن موقع الدفاع عن وحدة وعروبة ليبيا وتطورها، فإن المصالح الليبية تحتم على كل القوى السياسية الفاعلة العمل على الآتي: أولا تغليب لغة الحوار والمسؤولية والمصالح العليا للشعب العربي الليبي على كل الحسابات الصغيرة والضيقة؛ ثانيا وقف نزيف الدم بين الأشقاء، والعمل على طرد وتطهير البلاد من الجماعات التكفيرية دون إستثناء؛ ثالثا تعزيز مكانة العملية الديمقراطية، والإندفاع نحو تجسير الهوة فيما بينها للإسراع في توحيد البلاد، وعدم السماح للقوى الغربية الإستعمارية، ومن يتساوق معها من إستغلال حالة التشرذم والإنقسام القائمة منذ عام 2011؛ رابعا وضع خطة وطنية شاملة للنهوض بتنمية الإقتصاد الليبي بعد إنتخاب الهيئة التشريعية الجامعة، وتشكيل حكومة مدنية مركزية، ومؤسسات وطنية تعمل على إعادة الجسور بين المحافظات الليبية المختلفة على طول وعرض البلاد، وإنضواء كل منتسبي المؤسسة العسكرية في جيش وطني واحد لحماية البلاد؛ خامسا إقامة علاقات ندية مع جميع الدول الشقيقة والصديقة وفق المصالح الليبية والعربية؛ سادسا وضع الجهود الليبية مع كل الدول في المنطقة والعالم لمحاربة الإرهاب بكل ألوانه وأشكاله، ودعم السلم والأمن الأقليمي والدولي.
التعليقات مغلقة.