هل الحلّ المرجو فعلا في الشارع ؟؟؟
بقلم : رشيد الكرّاي
تعالت الأصوات في الأيام الأخيرة من أكثر من تنظيم سياسي ومجتمعي معبّرة عن دعمها لما أسمته بحراك شباب تونس في مختلف أحياء بعض مدن البلاد رغم ما شابه من تخريب وسطو ونهب للممتلكات العامة والخاصة واقتصاره على الظهور ليلا فقط . بل إن بعض هذه الأصوات دعت صراحة إلى حشد أكبر عدد ممكن من المواطنين للنزول الى الشارع والتعبير عن سخطهم وغضبهم من تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في تونس . حتى الآن تبدو هذه الدعوات اكثر من مُحقّة وأكثر من مطلوبة ، خصوصا وأن التعقيدات في الشؤون السياسية والاقتصادية والمالية آخذة في التصاعد بدل أن تبدأ طريق انحدارها نحو الحلّ. ولكن هناك كلمة أساسية لا يمكن إغفالها، تحمل معها سرّ هذه الدعوات وهي تونس ، لأنّه في هذا البلد تسقط كل الذرائع المنطقية والتحاليل الصائبة، وحتى قيمة الإنسان ، وسعيه الى عيش حياة كريمة.
ولأننا في تونس ، تبرز أسئلة كثيرة حول توقيت ومفهوم وسبب هذه الدعوات ، والنزول إلى الشارع ، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُنسب هذه التحركات الى الثورة أو إلى الحراك الشعبي الذي شهدته تونس انطلاقا من يوم 17 ديسمبر 2010 وتطور وأخذ منحى مختلفا خلال أقل ّ من شهر وأسقط نظاما بأكمله . وقتها كان الحراك مختلفا ولو أن الأسباب نفسها، إلا أن الجوهر مختلف تماما، كما الأسلوب أيضا.
لطالما شكّل اللجوء الى الشارع قدرة مسؤول سياسي أو أكثر على إثبات نفسه واظهار مدى التأييد الشعبي الذي يحظى به ، ولا يختلف هذا الامر اليوم . الجميع يعلم أن هذه التحركات لا تمتّ الى العفوية بصلة ، وأنها متّصلة بشكل وثيق ومتين بخلفيّات سياسية ، مع العلم انّ الداعمين لمثل هذه الخطوة هم أنفسهم الذين ما برحوا يطلقون تحذيراتهم في كل مناسبة ، من أن اللجوء الى الشارع هو لعبة خطيرة ، قد يعرف المرء أين تبدأ ولكنه لا يعرف أين تنتهي . وسبب هذا التحذير هو أن لكل مسؤول شارعه ، وليس أسهل من وضع شارع في مقابل آخر، فيدفع قوّات الأمن والجيش الثمن عبر تدخلهما لضمان عدم حصول تجاوزات أمنية خطيرة قد تطيح بالاستقرار الوحيد الباقي في البلاد. إضافة إلى ذلك لم تنجح “الثورة” في كل ما بذلته من جهود وتضافر عدد من السياسيين لدعمها، في إحداث أي تغيير ولو بسيط ، في الحياة السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد المستشري ، لا بل زادت هذه المواضيع تعقيدا وبتنا أمام حقبة أكثر سوادا من قبل ، فما الذي سيتغيّر يا ترى اليوم ؟ فإذا كان بعض السياسيين هم الداعمون للتحركات ، فبوجه من تُنَظَّم ؟ أليس بوجه مسؤولين سياسيين آخرين؟ وهل هذا بالفعل هو الحلّ الناجع للأزمة غير المسبوقة التي تعيشها تونس حاليا ؟
واذا استرقنا السمع الى ما يتم تداوله في الصالونات السياسية ، سيزداد الهمّ على قلوب التونسيين ، لأنّ ما يدور من كلام يفيد بأنّ هذه التحركات إنما الهدف منها هو إحراج شخصيات سياسية رسمية وغير رسمية ، وإعطاء دفع معنوي لشخصيّات أخرى على ضوء بعض المتغيّرات الإقليمية والدولية .
الثابت إذا أنّ هذه التحركات لن تقدّم ولن تؤخّر شيئا في الواقع الذي تعيشه تونس ، وهي حركة موقّتة تعوّد عليها التونسيون في مثل هذه الأوقات من كلّ سنة لإثبات الوجود سياسيا وتعزيز الحظوظ للبعض للخروج من نفق مظلم دخلنا إليه منذ عشر سنوات وليس حاليا، لا تزال أسبابه ودوافعه صالحة للأسف ، ولم يكن هناك في الأصل أي بصيص نور يؤشّر الى نهايته بعد إفشال مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بالدعوة لحوار وطني لغايات في نفوس الكثيرين…
التعليقات مغلقة.