الحكومة السورية تواجه معضلة حسم وضع المقاتلين الأجانب
حلقة وصل _ فريق التحرير
طوى الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة السورية مع مجموعات أجنبية مقاتلة صفحة الاشتباكات المندلعة خلال اليومين الماضين، وهي أول معركة احتدمت بين فصيل من المقاتلين الأجانب والقوات الحكومية في إدلب، شمال غربي البلاد، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، وفتحت الباب أمام تساؤلات حول مستقبل الآلاف من هؤلاء في سوريا الجديدة.
ونفض “مخيم الفرنسيين” الواقع في مدينة حارم في ريف إدلب الشمالي، غبار المعركة، بينما ما زال يتحصن زعيم المجموعة المعروفة باسم “فرقة الغرباء” عمر أومسين (فرنسي الجنسية من أصول سنغالية) مع عشرات المقاتلين الفرنسيين في المنطقة ذاتها داخل المخيم مستفيداً وعناصره من وجود مدنيين كدروع بشرية.
الاتفاق الأخير أفضى إلى سحب الأسلحة الثقيلة من محيط المخيم، وفتح الطريق أمام الحكومة لدخوله، وإحالة قضية خطف فتاة وطلب فدية مالية من والدتها (الحادثة التي أشعلت فتيل المواجهات) إلى وزارة العدل، وتكليف 3 متشددين أجانب من آسيا الوسطى لمتابعة ملف أوميسن المعروف أيضاً بـ “عمر ديابي”.
رأي عام متشدد
في غضون ذلك، لا يخفي الباحث بقضايا الجماعات الإسلامية، عبد الغني مزوز ما ينطوي على ملف المقاتلين الأجانب في سوريا من التعقيد، إذ لا أحد يدري إلى أي مدى يستطيعون قبول القرارات الحكومية، وتطورات الداخل السوري، إضافة إلى تباين مواقف كتل المهاجرين، وتراوح قناعاتهم بين الاعتدال والتشدد، علاوةً عن تحفظ شرائح منهم على السياسات الخارجية والداخلية للسلطة الجديدة. وأضاف أن “مجموعة من العوامل يُتوقع أن تسهم في تحديد مواقف المتشددين في المرحلة المقبلة ويتعلق أكثرها ببعض القرارات المثيرة للجدل التي اتخذتها الحكومة، والتي استغلتها المنصات المتشددة الرقمية في الدفع بتشكيل رأي عام متشدد مناهض للحكومة، ووصمها بالانحراف والردة”.
ويرى الباحث السياسي أنه “من أبرز هذه القرارات على سبيل المثال قرار وزارة الأوقاف حظر تناول بعض المواضيع العقدية في خطب الجمعة، وما أشاعته بعض القنوات المتشددة من تعويض ساعات التربية الإسلامية بحصص الموسيقى في المدارس، والهجوم على مخيمات المقاتلين الأجانب كما حدث مع مجموعة عمر أومسين الفرنسية في حارم، وما استتبعه ذلك من استنفار بين بعض المجموعات الأجنبية الأخرى التي استنكرت الهجوم لا سيما الأوزبك، والعمليات الأمنية ضد خلايا ’داعش‘ التي يتم تنفيذها بتنسيق مع التحالف الدولي وهو ما يعتبره بعض المتشددين ’موالاة مكفرة‘ تدخل ضمن نواقض الإسلام العشرة”.
وتابع، “هذه التطورات تشكل الآن مادة دسمة في المنصات المتشددة يتم تداولها، وتُبنى عليها المواقف الشرعية، وعلى أساسها يخرج سيل من التحريض على حكومة أحمد الشرع وتجريدها من الشرعية الدينية، وإخراجها من دائرة الإسلام”.
هل الاندماج يكفي؟
إبان سقوط الأسد، ظهرت معضلة المقاتلين الأجانب ومصيرهم، لا سيما الفصائل التي قاتلت إلى جانب “هيئة تحرير الشام” التي تزعمها الرئيس السوري أحمد الشرع قبل أن يتسلم مقاليد الحكم ويترأس حكومة انتقالية في دمشق وعمله على تشكيل جيش وطني واحد بعد حلّ كافة الفصائل المحلية أو الأجنبية ودمجها، في الوقت ذاته أعطت الولايات المتحدة موافقتها على دمج هؤلاء المقاتلين في الجيش بفرقة واحدة هي الفرقة 84 التي تتمركز في وسط البلاد، وهي مجهزة ومدربة على مقاتلة فلول تنظيم “داعش” في البادية.
أتت هذه الموافقة في أبريل (نيسان) الماضي بعد شهر من اندلاع أحداث الساحل، حين اتهمت الحكومة مَن وصفتهم بـ “خارجين عن القانون” بارتكاب “تجاوزات وتصرفات فردية”. وقال المبعوث الأميركي، توم براك “وافقت واشنطن على خطة تسمح باندماج المقاتلين الأجانب للجيش الوطني، شريطة أن يحدث ذلك بشفافية”.
في المقابل يشير الناشط الحقوقي، أحمد الحوراني إلى “وجود فصائل ومقاتلين لم يذعنوا إلى قرار الدمج، ومنهم ’فرقة الغرباء‘ التي تُعتبَر خارج القانون وترفع حول مخيم الفرنسيين سواتر إسمنتية، وتمسك بقاطني المخيم كرهينة ودروع بشرية، وتفرض تعاليم متشددة على الأطفال، فضلاً عن كون هذه الفصائل جاءت من خلفية تتشرب تعاليم ’داعش‘”. وأردف، “ما يعزز فرضية فشل الاندماج بالنسبة لعدد من الفصائل هي أحداث مخيم الفرنسيين المحاذي للشريط الحدودي مع تركيا، مع انضمام المقاتلين الأوزبك للوقوف بوجه الحكومة السورية. ولعل انتهاء الأزمة في زمن قياسي كبح جماح التجييش الإعلامي للمتشددين الأجانب، فمن الوارد أن تنتفض فصائل عدة وتتسع رقعة الاشتباكات”.
التعليقات مغلقة.