حلقة وصل: بقلم سمية الدريدي
منذ أكثر من أربعة عقود، وتحديدًا منذ سنة 1982، انطلق معرض تونس الدولي للكتاب كتظاهرة بسيطة ذات طابع وطني، لتتحوّل تدريجيًا إلى موعد ثقافي سنوي بارز يُشعّ من العاصمة نحو كل الجهات. واليوم، في دورته التاسعة والثلاثين الممتدة من 25 أفريل إلى 4 ماي 2025، يُثبت هذا المعرض أنه ليس فقط سوقًا للكتب، بل فضاء مفتوح للحوار، التنوير، والتلاقي بين الحضارات.
المعرض هذه السنة يُقام تحت شعار “الكتاب يجمعنا”، ويضم 313 جناحًا من 29 دولة، منها 166 جناحًا أجنبيًا و147 تونسيًا، ويعرض أكثر من 110,000 كتاب في مختلف المجالات، من الفلسفة إلى التكنولوجيا، ومن الشعر إلى كتب الأطفال. الأرقام تكشف مدى تطوّر المعرض وتوسّعه، حيث لم يكن يتجاوز عدد المشاركين في بداياته عشرات الدور المحلية.
الصين ضيف شرف المعرض هذا العام، بحضور ثقافي مميز جمع بين التقاليد والتكنولوجيا. من الخط الصيني، إلى عروض الموسيقى التقليدية، إلى تجارب في الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، قدّمت الصين نموذجًا للتبادل الثقافي الذي لا يقتصر على الورق بل يشمل الفكر والابتكار.
ورغم هذا الحراك الثقافي الضخم، فإن الواقع القرائي في تونس يدعو إلى القلق. بحسب إحصاءات حديثة، فإن 85% من التونسيين لم يقرأوا أي كتاب في السنة الماضية، و90% لم يشتروا كتابًا واحدًا. كما تراجع عدد رواد المكتبات العمومية من 3.1 مليون في 2016 إلى 1.4 مليون فقط في 2020، بانخفاض كبير في عدد الاشتراكات يصل إلى 25.7%. الأرقام تعكس أزمة ثقافية عميقة، وسط هيمنة التكنولوجيا، وضعف السياسات العمومية الداعمة للكتاب.
ومع ذلك، فإن الأمل لا يزال قائمًا. فقد عمل المعرض في السنوات الأخيرة على استقطاب فئات جديدة، خاصة الأطفال واليافعين، من خلال تنظيم أكثر من 280 ورشة في الدورة السابقة، تشمل المطالعة، الرسم، الكتابة الإبداعية، والعروض التفاعلية. وقد تحوّل ركن الأطفال في المعرض إلى نقطة جذب حقيقية للعائلات، تعكس وعيًا متزايدًا بأهمية زرع حب الكتاب منذ الصغر.
في سياق موازٍ، يشهد سوق الكتب الرقمية في تونس نموًا سريعًا، إذ يُتوقع أن تصل قيمته إلى 2.2 مليون دولار في 2024، مع نسبة نمو سنوي تُقدّر بـ 12.8% إلى غاية سنة 2028. هذه الأرقام تُظهر تحوّلًا تدريجيًا في عادات القراءة، لكنها تطرح أيضًا تحديات جديدة على دور النشر التونسية التي ما زالت تُراهن على الورقي بالأساس.
في النهاية، لا يُمثل معرض تونس الدولي للكتاب مجرد موعد ثقافي، بل هو مرآة لواقع التونسي في علاقته بالقراءة، وأداة لإحياء روح المعرفة في زمن التشتت. إنه ليس فقط فضاء لبيع الكتب، بل منارة تنير طريق العودة نحو الفكر، النقد، والهوية
التعليقات مغلقة.