استراتيجية ترمب “المزدوجة” لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا
حلقة وصل _ فريق التحرير
بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين والاتفاق على قمة أخرى بينهما في المجر الذي سبق زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للبيت الأبيض، تراجع الرئيس الأميركي عن فكرة تزويد كييف بصواريخ توماهوك التي كانت كييف تطمح في الحصول عليها لاستهداف العمق الروسي.
هذا التراجع الأميركي أثار تساؤلات حول استراتيجية ترمب لإنهاء الحرب بين موسكو وكييف وما إذا كان قادراً على تحقيق هدفه على رغم الانتكاسات التي مُني بها سابقاً واعترافه بأن بوتين تلاعب به، والسؤال أيضاً هل يمتلك ترمب هذه المرة خطة متماسكة لإجبار الطرفين على قبولها مثلما فعل في غزة أم أن الأجواء ما زالت غير مهيأة بعد لتحقيق اختراقات؟
تقلب أم استراتيجية؟
في مارس (آذار) الماضي قال الرئيس الأميركي إنه غاضب جداً من نظيره الروسي، ثم في مايو (أيار) الماضي وصف هجمات بوتين على أوكرانيا بأنها جنونية تماماً، وفي يوليو (تموز) الماضي عبر ترمب للصحافيين عن اعتقاده أن الرئيس الروسي يضلله بوعوده بالدخول في مفاوضات سلام من دون الوفاء بها.
وقبل نحو أسبوعين صعد ترمب نبرته معبراً عن ثقته بإمكان استعادة أوكرانيا جميع الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، لكن خلال يومين فقط وفي غمرة شعوره بالنصر بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس”، أعرب ترمب عقب مكالمة هاتفية دامت ساعتين مع بوتين عن تفاؤله بإنهاء الحرب مع أوكرانيا التي أعلن سابقاً أنه قادر على حلها في يوم واحد، قائلاً إنه الرئيس الذي يتوسط في وضع ليس سهلاً.
لم يكن هذا التقلب في موقف ترمب جزءاً من تقلباته السياسية المعروفة، وإنما جزء من خطة جديدة رسمها مع إدارته تعتمد على تغيير استراتيجيته جزئياً من خلال التوقف عن إطراء بوتين والتصعيد عبر عدد من المحاور، كان أولها الإعلان عن عزمه بيع صواريخ توماهوك كروز بعيدة المدى لأوكرانيا، مما يسمح لكييف بشن هجمات في عمق روسيا، ويزيد من النفوذ الذي سيتمتع به الأوكرانيون لإجبار موسكو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
أما ثانيها فإعلان الرئيس الأميركي أن الهند وافقت أخيراً على وقف شراء النفط الروسي مما يشكل ضربة كبيرة لموسكو التي تحصل على نصف تمويلها للحرب من عائد مبيعاتها للنفط عبر أسطول الظل الذي تديره من السفن المتهالكة، وثالثها إعلان الحلفاء الأوروبيين أنهم بصدد استخدام نحو 200 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة في تمويل شراء الأسلحة لأوكرانيا بعدما توقفت الولايات المتحدة عن تمويل وتزويد كييف بالأسلحة.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية نجحت في دفع الكرملين إلى المبادرة بالاتصال بالبيت الأبيض، إذ بدا أن بوتين لاحظ عزم ترمب على المواجهة وممارسة ضغط كبير على موسكو، وهو ما كان مصدر قلق حقيقي استدعى إجراء مكالمة هاتفية استمرت ساعتين مع الرئيس الأميركي، أعلن بعدها ترمب على منصة “تروث سوشال” أنه جرى إحراز تقدم كبير، واتفق كلاهما على الاجتماع في بودابست خلال الأسابيع المقبلة لمناقشة إمكان إنهاء الحرب.
ولأن المكالمة جاءت قبل لقاء ترمب وزيلينسكي، أدرك بوتين ضرورة التحرك بسرعة لإبقاء الحلفاء منقسمين، وهي استراتيجيته يتبعها الرئيس الروسي دائماً، ولهذا شعر الرئيس الأوكراني بخيبة أمل حين صرح للصحافيين بأن ترمب أصر على الاحتفاظ بصواريخ توماهوك وعدم تزويد كييف بها على رغم استمرار النقاش حول الأمر، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لا تريد التصعيد وأن روسيا تخشى هذه الصواريخ المدمرة.
هل أخطأ الغرب حساباته؟
منذ أن بدأت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) عام 2022، قلص حلفاء كييف في حلف شمال الأطلسي (الناتو) دعمهم العسكري المباشر، خوفاً من إثارة تصعيد روسي، قد يشمل استخدام سلاح نووي تكتيكي، لكن بالنظر إلى ما حدث، عد كثير من مسؤولي الاستخبارات الغربية أن هذه المخاوف تبدو مبالغاً فيها وغير مجدية، فقد ضاع وقت وخسرت أوكرانيا أراضي بينما لا تزال روسيا تتخلف بصورة مثيرة للسخرية عن تحقيق خططها الأولية لغزو كييف في 72 ساعة، وإسقاط حكومتها، وتنصيب موالين لموسكو كما كانت توقعات الكرملين.
ومع محاولات روسيا اختراق أجواء دول الناتو بطائرات مقاتلة تارة وبطائرات مسيرة تارة أخرى وتصدي حلفاء الناتو لها، صرح ترمب بأنه يفكر في إرسال صواريخ توماهوك كروز إلى أوكرانيا إذا لم تحسم الحرب قريباً، التي لم يخف انزعاجه من استمرارها بعدما تفاخر ذات مرة بإمكان إنهائها في غضون 24 ساعة.
كانت صواريخ توماهوك ستسمح لأوكرانيا بضرب عمق أكبر داخل الأراضي الروسية في وقت يقال فيه إن الجيش الأوكراني ينفذ بالفعل ضربات على منشآت الطاقة الروسية بفضل معلومات استخباراتية أكثر دقة للاستهداف قدمتها الولايات المتحدة.
التعليقات مغلقة.