التعليم في تونس: حين يتحوّل حلم المدرسة إلى فخ التمييز الطبقي!
بقلم سمية دريدي
في بلادٍ كان التعليم فيها ذات يوم سلّمًا للارتقاء الاجتماعي، صار التلميذ التونسي اليوم أمام مفترق طريقين: إما عموميٌّ متعَب ومنهَك، أو خاصٌّ يُشترى بالمال.
بين جدران المدارس العمومية تتآكل الطباشير كما تتآكل أحلام الآلاف، وفي المقابل، مدارس خاصة ببهوٍ مكيّف وسبّورات ذكية، تقدّم “فرصًا” لا يجدها أبناء “الزوالي”.
الأرقام لا تكذب… بل تصرخ!
• في سنة 2023، سُجّل حوالي 9% من تلاميذ الابتدائي في المدارس الخاصة، حسب بعض الاحصائيات .
• مقابل ذلك، يضمّ القطاع العمومي أكثر من 91% من التلاميذ، لكن… بأي ظروف؟
بين مدارس بلا مياه، وحافلات نقل تُقَلّ التلاميذ كما تُقلّ المواشي، يدفع الطفل التونسي العموميّ ثمنًا يوميًّا فقط ليحضر حصة قراءة أو حساب.
السيزيام 2025: الشرخ صار فضيحة وطنية
مناظرة السيزيام لسنة 2025 لم تمرّ كغيرها… فقد فجّرت لغطًا واسعًا وضجةً كبرى، بعد أن لاحظ الأولياء والخبراء التربويون أن أغلب المواضيع صيغت بطريقة تخدم التلميذ الخاص أكثر من العمومي.
• تمارين تعتمد على تقنيات وطرق تدريس غير مألوفة في كثير من المدارس العمومية.
• مواضيع تتطلّب سرعة ذهنية وتدريب مكثف خارج الإطار المدرسي، أي في الدروس الخصوصية.
• تفاوت صارخ في نسب النجاح بين تلاميذ الخاص والعام، ما عمّق الإحساس باللاعدالة.
تساءل البعض: هل تحوّلت المناظرة إلى أداة إقصاء بدل أن تكون أداة انتقاء؟
هل السيزيام اليوم تقيس الذكاء والاجتهاد… أم تقيس من يملك أكثر مالًا ووقتًا للدرس الخصوصي؟
الشرخ يتعمّق… بالفوارق المادية والمعنوية
في المدرسة الخاصة، المدرّس حاضر مبتسم، التلميذ يرتدي ميدالية في الرقبة، ويُستقبل بابتسامة.
في المدرسة العمومية؟ قد تجد الأقسام مكتظة، والأنشطة منعدمة، والمدير يطلب دعمًا من الأولياء لصيانة النوافذ!
والأسوأ؟ عندما يُقارن التلميذ نفسه بزميله في القطاع الخاص، فيشعر بالدونية، ويُزَرع فيه شعور بأن «النجاح حكر على من يدفع». هنا تحديدًا يولد التمييز الطبقي المقنَّع في شكل محفظة مدرسية.
هل الدولة عاجزة أم متواطئة؟
السؤال الأخطر: لماذا لا يُعاد الاعتبار للمدرسة العمومية؟
هل هو عجز حقيقي في الموارد؟ أم سياسة صامتة لتشجيع الخوصصة على حساب المساواة؟
في ظلّ غياب إصلاح تربوي شامل، صار المواطنون يهربون إلى التعليم الخاص، لا لأنهم يثقون فيه أكثر، بل لأنهم فقدوا الثقة في العمومي.
نحو ماذا نسير؟
إنّ ما يحصل اليوم لا يُهدّد فقط توازن المنظومة التربوية، بل يُعيد إنتاج الفقر والتمييز.
فإذا كانت المدرسة العمومية هي مدرسة “الزوالي”، والخاصة هي مدرسة “أولاد البذخة”، فمَن سيجمع التونسيين على مقاعد الوطن الواحدة؟
خاتمة: لا تعليم بلا عدل
الشرخ بين التعليم العمومي والخاص في تونس ليس مجرد اختلاف في الجدران… إنه شرخ في الفرص، في الكرامة، وفي المستقبل.
ومناظرة السيزيام 2025 كانت صفارة إنذار للجميع: التعليم لم يعد متكافئًا، بل أصبح ساحة للامتياز الطبقي.
وليس لأبناء هذا الشعب ما يستحقّونه أكثر من مدرسة عادلة، لا يسأل فيها الأستاذ عن “ثمن الحصة الخصوصية”، بل يسأل: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟
التعليقات مغلقة.