الاستمطار الصناعي في تونس: حين يصير العلم سلاحًا للسيادة المائية
حلقة وصل- بقلم سمية الدريدي
في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة التغيرات المناخية، وتتراجع فيه الموارد الطبيعية، تتقدّم الدول التي تراهن على العلم والتكنولوجيا لتأمين أمنها الغذائي والمائي. وتونس، في واحدة من أكثر الخطوات جرأة واستباقًا، تخوض اليوم غمار تجربة واعدة قد تغيّر مستقبلها: الاستمطار الصناعي.
ففي السادس عشر من أفريل 2025، وتحديدًا فوق حوض سد سيدي سالم، أجرت تونس أول تجربة استمطار صناعي تونسية بحتة، تم تنفيذها بالتعاون بين وزارات الدفاع والنقل والفلاحة، وباعتماد كفاءات وإمكانيات وطنية خالصة. تجربة لم تكن مجرد نثرٍ للمواد في السماء، بل زرع أمل في الأرض.
حين تتحول السماء إلى مورد مائي
تقنية الاستمطار الصناعي، التي تستخدم مواد كيميائية غير مضرة لتكثيف بخار الماء داخل السحب وتحفيز تساقط الأمطار، لم تعد حكرًا على الدول المتقدمة. لقد أصبحت خيارًا استراتيجيا أمام الدول التي تبحث عن حلول واقعية لمعضلة الجفاف، وتونس من بينها.
وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، السيد عز الدين بالشيخ، أكد في تصريحه الأخير أن هذه التجربة تندرج ضمن حزمة من المشاريع النموذجية الطموحة التي تهدف إلى التحكم في إدارة المياه، وتحقيق فلاحة ذكية تدعم السيادة الغذائية للبلاد.
أكثر من تجربة… رؤية كاملة للمستقبل
الاستمطار ليس مشروعًا معزولًا، بل جزء من رؤية وطنية متكاملة. إلى جانب الاستمطار، تعمل الحكومة على:
• الحد من التبخر من السدود والبحيرات بالتعاون مع وزارة التعليم العالي.
• إطلاق منصات رقمية لإدارة التصرف في الموارد المائية.
• التوجه نحو الطاقات المتجددة لتقليص كلفة تحويل وتوزيع المياه.
• دعم البحث العلمي والابتكار في المجال الفلاحي والمائي.
هذه المشاريع، التي تُنفّذ بالشراكة مع مؤسسات بحث وتمويل وطنية ودولية، تعكس انتقال تونس من سياسة رد الفعل إلى سياسة المبادرة.
بين الغيث الطبيعي والاستمطار العلمي
في ثقافتنا الشعبية، اعتدنا أن ننتظر “الغيث” من السماء. لكن اليوم، تدخل تونس عهدًا جديدًا، حيث لا تكتفي بالانتظار، بل تتحرك لتحويل السحاب إلى مصدر رزق بإرادة علمية مدروسة. وهنا، يلتقي الحلم بالعلم، ويتحوّل الأمل إلى قرار سيادي مدعوم بالتكنولوجيا.
من أجل سيادة مائية بأيدٍ تونسية
إن دخول تونس مجال الاستمطار الصناعي هو أكثر من تجربة جوية؛ إنه إعلان وطني بأننا قادرون على التحكم في مصيرنا المائي، إذا أحسنا توظيف العلم، وإذا آمنا بأن التنمية الحقيقية تبدأ حين نحول التحديات إلى فرص.
تونس، رغم صعوباتها، تثبت مرة أخرى أنها بلد الإرادة والعقول… بلد لا ينتظر المطر فقط، بل يزرعه في سمائه
التعليقات مغلقة.