حلقة وصل- بقلم سمية الدريدي
رغم فظاعة الحادثة التي شهدتها جزيرة جربة مساء الخميس 8 ماي 2025، حيث تعرّض أحد اليهود التونسيين إلى اعتداء بسكين أثناء تواجده بمحله التجاري، فإن ما تلا ذلك من ردود فعل شعبية ورسمية يعيد تأكيد ما يعرفه العالم عن تونس: هذه الأرض كانت، وتبقى، ملتقى للديانات، وفضاءً للتعايش السلمي، لا تُعكر صفوه حادثة معزولة.
رد الفعل الشعبي… مرآة الروح التونسية
لم تمرّ دقائق حتى تحركت أطراف من أهالي جربة لحماية الضحية ومطاردة المعتدي، قبل أن يتم تسليمه إلى الوحدات الأمنية. لم يُسأل عن دين الضحية، بل سادت اللحظة إنسانية خالصة، وهذا وحده دليل حيّ على أن التسامح في تونس ليس مجرّد شعار بل ممارسة يومية.
جربة: الجزيرة التي يصلي فيها الجميع
ليست هذه هي الصورة التي يعرفها العالم عن جربة. الجزيرة التي تُنظم سنويًا موسم “الغريبة” الشهير، والذي يجمع آلاف الزوار اليهود من داخل تونس وخارجها، ويُقام بحماية أمنية ورعاية رسمية، وسط أجواء يغلب عليها الطابع الاحتفالي، ما زالت تعدّ نموذجًا عالميًا في احتضان الآخر.
في سنة 2023، زار الغريبة أكثر من 6 آلاف يهودي من مختلف أنحاء العالم، في موسم أثار إعجاب وسائل الإعلام العالمية. كما اختارت اليونسكو في 2022 إدراج جزيرة جربة ضمن التراث العالمي، باعتبارها مثالًا فريدًا للتعدد الثقافي والديني.
التاريخ يشهد… أن التعايش ليس جديدًا
منذ آلاف السنين، عاشت الطائفة اليهودية في تونس، وخصوصًا في جربة، في انسجام مع جيرانهم من المسلمين. كانت ولا تزال لهم مدارسهم، معابدهم، أعيادهم، ومقابرهم التي تحظى بالاحترام والرعاية. وفي حيّ الحارة الصغيرة بجربة، يسمع الزائر العربية بلكنة عبرية، ويرى في الأبواب المزدوجة رمزًا لاحترام الخصوصية بين الجيران.
لم يكن غريبًا أن يكون أول وزير يهودي في العالم العربي تونسيًا، هو ألبير بسّيّس سنة 1956. كما عُيِّن روني الطرابلسي وزيرًا للسياحة سنة 2018، وكان محل تقدير كبير من مختلف الأطياف، وهو من نظّم موسم الغريبة لسنوات.
وحدة وطنية لا تمسّها أيدي الفتنة
الاعتداء الأخير، وإن كان مدانًا، لا يمكن أن يكون عنوانًا لتونس. فسرعان ما عبّر عدد من التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي عن تضامنهم مع الضحية، ورفضهم لكل أشكال الكراهية. وخرج روني الطرابلسي نفسه ليؤكد أن هذه الحادثة لا تعبّر عن الشعب التونسي، بل عن شخص مريض يجب أن يُحاسب بالقانون.
وها هي تونس، كما كانت دومًا…
تونس ليست حادثةً تُنقل في خبر عاجل، بل تاريخ يُروى عبر الأجيال. هي صوت المؤذن يختلط بترتيل التوراة، وهي خبز مشترك على موائد الجيران في رمضان ويوم كيبور. هي جربة التي تشرق فيها الشمس على منارات الجوامع وقباب المعابد، دون أن تستأذن أحدًا عن دينه أو لونه أو اسمه.
من قرطاج إلى صفاقس، ومن الكاف إلى مدنين، ستظل تونس أرضًا يلتقي فيها المختلفون على محبة واحدة، هي محبة الوطن.
لأنها ببساطة… تونس.
التعليقات مغلقة.