القطاع الصحّي السعودي: ريادة، تطوير وتعاون إقليمي مع تونس في زراعة القوقعة السمعية
حلقة وصل
بقلم:سمية الدريدي
تُعدّ المملكة العربية السعودية من أبرز الدول العربية التي شهدت تحولًا صحيًا شاملًا في العقدين الأخيرين، في إطار “رؤية السعودية 2030” التي وضعت ضمن أولوياتها تعزيز جودة الحياة والصحة الشاملة للمواطنين والمقيمين. ومن بين المجالات الصحية التي سجلت فيها السعودية خطوات رائدة، يبرز مجال زراعة القوقعة السمعية كأحد أبرز قصص النجاح.
ريادة سعودية في زراعة القوقعة
زراعة القوقعة، وهي عملية دقيقة تهدف إلى استعادة السمع لدى من يعانون من صمم حسي عصبي عميق، تحوّلت في السعودية إلى تجربة نموذجية. وقد أنشأت المملكة 17 مركزًا متخصصًا في هذا المجال موزّعة على مختلف مناطقها، تحت إشراف وزارة الصحة السعودية. وتُجرى أكثر من 500 عملية زراعة قوقعة سنويًا، بنِسب نجاح عالية تقارب 100%، مع توفير التأهيل السمعي واللغوي الشامل للمريض بعد الجراحة.
ما يميز التجربة السعودية في هذا المجال، هو الجمع بين أحدث التقنيات الطبية وأفضل الممارسات العالمية، إضافة إلى تقديم خدمات مجانية للمواطنين عبر النظام الصحي العمومي. وتُؤطّر هذه الجهود بمنظومة صحية دقيقة تشمل فحص السمع المبكر لدى المواليد، مما يُسهّل اكتشاف حالات فقدان السمع في وقت مبكر، ويزيد من فعالية العلاج.
تعاون تونسي سعودي: دعم الشراكة الصحية
في سياق تعزيز الشراكات الإنسانية الإقليمية، أدّت زيارة الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة، المستشار بالديوان الملكي والمشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلى تونس (22 – 25 أفريل 2025)، إلى فتح صفحة جديدة في التعاون الصحّي التونسي السعودي.
خلال هذه الزيارة، تم الاتفاق بين الجانبين التونسي والسعودي، بحضور وزير الصحة التونسي الدكتور مصطفى الفرجاني، على تطوير التعاون في مجالات دقيقة، من أبرزها:
• زراعة القوقعة السمعية
• زراعة الأعضاء
• جراحة القلب للأطفال
• طب الكلى والغسيل البريتوني
ويمثل مجال زراعة القوقعة أولوية تونسية نظرًا لارتفاع عدد الأطفال المصابين بضعف سمع عميق، خاصة في المناطق الداخلية، وضعف البنية التحتية المختصة مقارنة بالحاجة الفعلية. ووفقًا للبيانات المحلية، تُجرى عمليات زراعة القوقعة في تونس بعدد محدود، ما يجعل الدعم السعودي خطوة استراتيجية لتعزيز القدرة الوطنية.
أبعاد التعاون: أكثر من مجرد دعم طبي
التعاون السعودي التونسي لا يقتصر على تقديم مساعدات أو أجهزة طبية فقط، بل يشمل أيضًا:
• تكوين الإطارات الطبية التونسية في المراكز السعودية المتخصصة.
• نقل التكنولوجيا والخبرة الجراحية إلى المستشفيات التونسية.
• إدماج تونس في شبكة التعاون الإقليمي التي يديرها مركز الملك سلمان في المجال الصحي.
• تمويل حملات طبية مجانية في المناطق الداخلية الأكثر تضررًا من ضعف الخدمات الصحية.
نحو شراكة إنسانية مستدامة
يشكّل التعاون بين تونس والمملكة العربية السعودية نموذجًا ناجحًا للتضامن العربي في قطاع حيوي مثل الصحة. ويكتسي مجال زراعة القوقعة السمعية أهمية خاصة لأنه يلامس حياة الأطفال وأسرهم بشكل مباشر. ومن المنتظر أن تترجم هذه الاتفاقات إلى مشاريع ميدانية في تونس خلال الأشهر القادمة، مما يُعزّز قدرات البلاد في توفير العلاج والتأهيل لفاقدي السمع، ويؤسس لشراكة صحية ذات بعد إنساني وتنموي حقيقي.
التعليقات مغلقة.