نحن في وسط الكارثة ، وليس على حافتها
بقلم رشيد الكرّاي
ربّما لم تخلُ مساعي تركيز المحكمة الدستورية من المخاتلات والحسابات الحزبية الضيّقة ، لكنّ الواضح أنّ هذه المساعي من حيث أُريد لها أن تكون حلاّ لمعضلة مستمرّة منذ ست سنوات ، أصبحت في حدّ ذاتها معضلة المعضلات بل وتكاد تكون أبواب فتحها مغلقة بالسلاسل والستائر الإسمنتية بعد ردّ رئيس الجمهورية الذي جاء يوم السبت في شكل رسالة مطوّلة من العهود الغابرة ، بلغتها الموغلة في السريالية والخارجة عن منطق العصر . كل ذلك يعني ببساطة في واقعنا التونسي المريض أن مقولة اشتدّي أزمة انفرجي ، باتت تعني بالتونسي الفصيح اشتدّي أزمة انفجري.
لقد بلغت تونس ذروة التأزّم على المستويات كافة، سيّما الاقتصادية والاجتماعية ، مع انسداد أفق الحل السياسي حتى اللحظة ، ومع غياب المساعي والمبادرات الجدّية والحقيقية الكفيلة بإخراج وانتشال البلد من الكوارث التي بات يعيشها.
فالوضع الاقتصادي والمعيشي في تونس بات جحيما لا يُطاق مع انهيار القيمة الشرائية للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية ، وارتفاع الأسعار الخيالي والجنوني في الأسواق بات لا يضبطه أي شيء ، كما باتت الطبقة الفقيرة والمعدمة تضمّ أغلبية شرائح الشعب .
كما أنّ الوضع السياسي ليس أفضل حالا حيث يُسجّل فشل الطبقة السياسية في الاتفاق على استكمال تشكيل الحكومة أو على تشكيل حكومة سواء من أصحاب الاختصاص والكفاءة وخارج منطق المحسوبية والمحاصصة ، وبعيدا عن منطق الاستحواذ والاحتكار أو حرب الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة والقوى السياسية ، والتي أوصلت جميعها إلى الحائط المسدود وإلى غياب أي مسعى حقيقي وجدّي لتشكيل حكومة تمتلك أسباب ديمومتها والتي تُعتبر مفتاح حلّ الأزمات الأخرى في تونس
لقد حاول الاتحاد العام التونسي للشغل فتح فجوة في جدار الأزمة من خلال مبادرته التي تواصل فيها أساسا مع رئيس الجمهورية ، الذي وإن أعلن في الأخير تبنّيه لها إلاّ أنها لم تتجاوز لحدّ الآن إعلان النوايا ، مع تسجيل مواقف بعض الأطراف السياسية الفاعلة يشتمّ منها رائحة الحسابات السياسية الضيّقة ووضع شروط مسبقة لن ترضي أطرافا أخرى
لقد بات الأفق مسدودا حاليا أمام أي حل سياسي، وبالتالي فقد تافقمت الأزمات الأخرى بشكل غير مسبوق . وزادت الأوضاع تعكّرا انزلاق مرض كوفيد إلى ما يشبه الوباء الشامل وما يصاحبه من خسارة أرواح وعجز المستشفيات عن إيواء جميع المرضى وخسارة المزيد من مواطن الشغل والمؤسسات في ظلّ اقتصاد منهار وشبح عجز الدولة كليا عن الوفاء بالتزاماتها وأولها أجور جيش العاملين بها الذي باتت كتلته المرتفعة الأولى عالميا في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الأثني عشر مليون
المشهد الذي نعيش على وقعه منذ أشهر على الأقل ، قد يكون صورة مصغّرة أو “بروفة” لما يمكن أن يكون عليه الوضع في تونس فيما لو استمر الأمر على هذه الحالة من المراوحة السياسية وغياب الحلول الاقتصادية والاجتماعية. التونسي لم يعد لديه ما يخسره ، بل ربما هو مستعد الآن حتى لخسارة هذا الوطن ، لأنّه لم يعد يشعر أنّه ينتمي إلى هذا الوطن الذي تتحكّم فيه لوبيات وطبقة سياسية لا تمّت إلى المواطنة بصلة، ولا إلى مصالح التونسيين بأي قرابة . التونسي بات على استعداد لإسقاط الهيكل على رؤوس الجميع حتى لا تبقى يده وحدها بالنار فيما أيدي أولئك تتلذّذ بأطيب وأشهى أنواع المؤكلات وتعيش رفاه الحياة .
قد يقول البعض إنّ التحركات التي تشهدها عديد مناطق البلاد وعديد القطاعات ، هي في حقيقتها وجوهرها تنطلق من خلفيات سياسية ، وارْتَدَتْ قناعَ المطالب الشعبية والحياتية ، وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن ليس مهمّا. المهم هي النتائج. المهمّ أنّ أغلب التونسيين في كل المناطق تفاعلوا معها، لأنّ تفاقم الأوضاع وجنون الأسعار لا يوفّر أحدا، ولا يقيم وزنا لأي طرف . ولذلك فإنّ الكارثة تقترب من تونس ، وتونس تقترب من الكارثة إذا لم يتمّ تدارك الموقف وقبل فوات الأوان.
بقلم : رشيد الكرّاي
التعليقات مغلقة.