محكمة المحاسبات أطلقت رصاصة الرحمة .. الشرعية الانتخابية في مهبّ الريح..!
بقلم: مراد علالة
بقطع النظر عن الخطوات القادمة التي ستجنح اليها الجهات القضائية أو «المؤسسات» المعنية أو الفاعلون السياسيون، فإن الاقرار بجسامة الخروقات التي ضربت في العمق لا نزاهة انتخاباتنا فقط وانما مسار تجربتنا الديمقراطية برمّتها صار أمرا مقضيا كما يقال، وعلى الجميع اليوم استخلاص العبر والدروس والانخراط الصادق في عملية انقاذ ما يمكن انقاذه بعد أن أصبحت الشرعية الانتخابية والمشروعية في مهب الريح.
ورغم أن محكمة المحاسبات بتقريرها الهام الأخير حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019 خلعت أبوابا مفتوحة بقوة القانون بما أن أغلب ما رصدته تحدثت عنه منظمات المجتمع المدني التي رافقت الاستحقاقات الانتخابية ببلادنا منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة وكذلك بعض الاعلام وطيف هام من المكونات السياسية «المنهزمة» بالخصوص، فإن ما بعد صدور التقرير أهم مما سبقه لأنه سيؤسس للإنقاذ والتدارك فنحن مقدمون في وقت قريب على انتخابات بلدية بعد زهاء سنتين وانتخابات تشريعية ورئاسية عادية بعد اربع سنوات دون القفز على فرضية الانتخابات الجزئية أو المبكرة بين الفينة والاخرى في جميع هذه الاستحقاقات.
والمقدمة الصحيحة في هذا المسار لا تقف عند حدود إدانة من ارتكب الخروقات الفادحة في العملية الانتخابية برمتها والتشهير به بل يجب الذهاب في اتجاه تحصين التجربة الديمقراطية بطريقة تمنع اعادة انتاج هذه الخروقات سواء بالوعي السياسي والثقافة الديمقراطية المترهلة الان أو باعتماد القانون والضرب بيد من حديد على ايدي من يعبثون بإرادة المواطنين ويسيئون اليها بالتزوير الذي لا يمكن اختزاله فقط في تغيير الاوراق الانتخابية أو عدد الاصوات المصرّح بها وانما ببيع الاوهام وشراء الذمم والاتجار بالدين ومآسي الفقراء وشيطنة الاخر بدل تقديم الرؤى والبرامج التي تنفع الناس.
إن مسالة الثقافة الديمقراطية جد مهمة في ظرفنا الراهن ولا يمكن بناء ديمقراطية بأناس غير ديمقراطيين ضاقت بهم تنظيماتهم علاوة على العجز في التربية على الديمقراطية وتحفيز الناس على المشاركة السياسية وتنمية وعيهم حتى يجيدوا الاختيار. ثانيا، لا مناص لكثير من الهيئات والمؤسسات الوليدة بعد 2011 بالخصوص من وضع الأقدام على الارض والإقرار بأنها ما تزال بعيدة سنوات ضوئية على الاضطلاع بدورها الحقيقي في سبيل انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.
اننا نتحدث هنا عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي عصفت بها الصراعات الداخلية والحراب الخارجية مما حوّلها الى مجرد ادارة انتخابية لتوفير الحبر والصناديق والخلوات وعقد الندوات الصحفية لإعلان النتائج الجزئية والنهائية، ونطرح السؤل اليوم عن وجاهة وشرعية بقاء ثلاثة اعضاء على سبيل المثال بمن فيهم الرئيس في الهيئة رغم انقضاء «الولاية» منذ مطلع العام؟.. نفس الملاحظة حول هيئة الاتصال السمعي البصري وشرعية قيادتها «التاريخية» الان، اضافة الى رمي الكرة في وقت من الاوقات الى هيئة الانتخابات واستردادها في علاقة بـ«خروقات» بعض وسائل الاعلام السمعية والبصرية.
في المقابل وقع التهليل والتطبيل للمناظرات وحسن التعديل واحترام الدقائق والثواني التي اعطيت للمترشحين ! بدوره، لا يمكن تبرئة المجتمع المدني بكل مكوناته، المتخصصة في الانتخابات أو تلك التي ركبت صهوة الانتخابات التي تدر المال الوفير على العمل الأهلي كما يقال وقد توقفت أهم المنظمات الراصدة للأسف عند حدود التأشير والتوقيت دون التقدم ربما نحو المتابعة القضائية والاهم من ذلك الاشتغال على المسألة الثقافية والتربية على الديمقراطية وهنا يظل عمل المنظمات والجمعيات مناسباتيا للأسف تحكمه التمويلات المتأتية في اغلبها من الخارج وهذا بدوره مجال يجدر بمحكمة المحاسبات الاهتمام به تماما مثل البنك المركزي المدعو أكثر من أي وقت مضى الى معالجة «فانا» الخارج…
ثالثا، ان تقرير محكمة المحاسبات مثل تقارير منظمات المجتمع المدني تضع الاحزاب امام مسؤولياتها فإما تتجاوز عثراتها وتبرهن على احترام قوانين الدولة الوطنية ونواميس العمل الحزبي والسياسي أو يقع حلها وينصرف «زعماؤها» و«قادتها» الى مهام أخرى لان مرحلة التضخم التي بلغ فيها عدد الاحزاب 228 طالت اكثر من اللزوم ولا بد من فرز تنظيمي ومضموني ان جاز القول.
كذلك الامر حول ظاهرة «المستقلين» في زمن يشكك فيه البعض حتى في استقلال الدولة، فالتخفي وراء الشعبوية والتظاهر بالطهورية والترفع عن التحزب ثورة على الاحزاب والمتحزبين فيه كثير من النظر عندما نكتشف ان «التنظيم» الذي يقف وراء شخصيات «مستقلة» بعينها أكثر تنظيما وانضباطا من احزاب عقائدية وجماهيرية وتاريخية لها بصمتها في البلاد.
ان الخروقات او الإخلالات التي وثقها تقرير محكمة المحاسابات على غاية من الاهمية خصوصا في ما يتصل بتجاوز سقف الإنفاق والتمويل الاجنبي أو امتلاك صفحات «متطوعة» من الخارج حتى وان كانت «مجانية» لانها في المحصلة قد تفتح الباب لتدخّل مؤسسات ولوبيات خارجية في الشأن الوطني وفي ذلك ايضا انتهاك للسيادة الوطنية وتهديد للأمن القومي وهذا ما يدفعنا الى المتابعة والى الحرص على وجود شرعية ومشروعية تليق بتونس الجديدة بعد ان اهترأت شرعية المنظومة المنبثقة عن انتخابات 2019 وما قبلها.
التعليقات مغلقة.