جدلية العلاقة بين التونسي و رجل الأمن .. “لا نحبك لا نصبر عليك”
بقلم : باسل ترجمان
بهذا المثل الشعبي القادم من عمق التاريخ ” لا نحبك لا نصبر عليك” يمكن تلخيص العلاقة الملتبسة منذ زمن طويل بين المواطن ورجل الامن في تونس. بقدر التلاحم والمحبة والسعادة بنجاح رجال الأمن في محاربة الارهاب والقضاء على الارهابيين وايقاف المجرمين والقتلة، وبقدر الحزن الشعبي العام على ارواح الامنيين الذين يسقطون ضحايا العمليات الارهابية او حتى ضحايا ظروف عملهم الصعبة ومخاطر التصدي للجريمة بقدر ما يصبح البوليس مكروهاً وخصماً إن لم نقل عدواً للبعض مما يعكس حالة من انفصام شخصية عنيف تجاه رؤية الناس لرجل الأمن وتعاملهم معه وتعامله معهم.
بعيداً عن الاصطفاف في التعامل مع كل صدام بين الأمن والمحتجين والذي اعاده مرة أخرى لسطح الاحداث عودة مجلس النواب لمناقشة مشروع قانون زجر الاعتداءات على الامنين والذي قوبل برفض وتحفظ عدد كبير من الجمعيات التي لها قيمة اعتبارية في المشهد المجتمعي بحكم دورها الذي لعبته في التصدي لاستبداد نظام بن علي والذي كان الامن الاداة الاولى في التضييق على الحريات والاعتداء على حقوق المعارضين والتنكيل بهم، وبالمقابل يرى الكثير من الامنيين أن هذا القانون سيكون ضمانة لهم في مواجهة متغيرات كبرى تشهدها تونس في مستوى تطور شكل ونوعية الجرائم بدء من الجرائم الارهابية ووصولا لجرائم الحق العام التي صار فيها شكل ونوعية العنف خطيراً على الجميع دون استثناء ويشكل تهديدا للجميع مما يطرح مبررات موضوعية تجعل من مطلب تمرير هذا القانون يحظى بوجاهة التبرير لدى المدافعين عنه.
بعد تظاهرات كان فيها استفزاز واهانة رجال الامن من قبل محتجين امرا اثار ردود فعل متباينة ضد هذه التصرفات التي يتفق الجميع على انها مستنكرة ومرفوضة وغير مقبولة عاد موضوع العلاقة الصدامية بين الامني والمواطن ليحتل مساحة بارزة في حوارات ومواقف سياسيين واعلاميين ومثقفين على مواقع التواصل الاجتماعي وليكون الاهم بدل الحديث عن التصويت على القانون في مجلس النواب من عدمه كيف يمكن أن نبدأ بالتفكير بتصويب هذه العلاقة والتي صار واضحاً ان فيها الكثير من الكراهية والحقد والغضب بين مواطنين وامنيين بشكل متبادل وهذا يجعل من ضرورة البحث عن كيفية وقف تيار الكراهية والحقد أمرا أهم بكثير من الموافقة والاعتراض على مشروع القانون.
العلاقة الصدامية بين الطرفين خطيرة والاخطر منها رواسب ذكريات الماضي وانعكاسها على الواقع، والامني الذي يعمل اليوم يحمل مسؤولية كل ممارسات النظام السابق وضحايا عنف النظام وخاصة ابنائهم الذين كانوا ضحية لعمليات الاعتقال والتعذيب يختزنون كرهاً يصل حدود الحقد لكل ابناء هذه المؤسسة بالرغم من أن العشر سنوات الاخيرة انضم لها عدة الاف من الشباب الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما عرفته ممارسات اجهزة الامن من عنف غير مبرر ضد ناشطين سياسيين تفنن النظام السابق في التنكيل بهم.
بالمقابل لم يستطع كل الفاعلين في المشهد السياسي والمجتمعي في تونس تحقيق أي تقدم في مواجهة هذه العلاقة التصادمية التي تسخن في فترات وتبرد في فترات لكنها تبقى دائماً مثل الجمر تحت الرماد تنتظر هبة هواء لتعيد اشعال حقد يتصاعد بين الجانبين جراء تأزم العلاقات وتوترها واستمرار كل طرف يحمل ضغائنه بصمت ينعكس في نظرات حاقدة تتبادلها الاعين دون توقف.
الاطراف التي سعت لكي لا تكون هناك مراجعات جدية ولا حوار حقيقي حول تجاوز الماضي ورؤية المستقبل حول أم جمهوري يحمي الوطن والمواطن هي التي تريد بقاء علاقة التنافر والصدام بين المؤسسة الامنية والشارع لأن هذه المؤسسة ورغم كل الانتقادات التي توجه لها بقيت بعيدة عن محاولات تطويعها لتكون اداة بيد أي طرف سياسي، وهذا ما يجعل هدف ابقاء علاقتها متوترة مع الشارع هدف سياسي تسعى لتحقيقه حتى يكون الشارع اداة في يدها تستعمله إذا ما اقتضت الحاجه.
الحديث عن الرشوة والفساد داخل المؤسسة الامنية وتجاهل الحديث عن هذا الواقع المؤلم الذي ينخر جل مؤسسات المجتمع يطرح تساؤلاً هل المطلوب الحديث عن هذه الحقيقة في المؤسسة الامنية ام المطلوب الحديث عنها في المجتمع الذي صارت الرشوة والمحسوبية جزء من ثقافة الفساد السائدة فيه، كيف يمكن ان ننسى حجم الفساد في مؤسسات الحكم ومفاصله ونتجاهل ذلك ونركز على ممارسات داخل المؤسسة الامنية أم هل علاج هذه الظاهرة ممكن داخل هذه المؤسسة بينما باقي مؤسسات المجتمع بكل شرائحها ينخرها الفساد والرشوة من اعلى إلى اسفل. تشجيع الصدام بين الشارع والشباب من جهة، والمؤسسة الامنية من جهة اخرى، يخدم اهداف صناع الفوضى وتدمير الدولة وهذا مطلب لا علاقة لقوى المجتمع المدني به مهما كانت حجم خلافاتها مع منظومة الحكم وهذا يضع مسؤولية كاملة ومشتركة على الجميع في كيفية كسر حلقة الكراهية والحقد التي تتعاظم بفعل تصرفات فردية لا يمكن تحميل مسؤوليتها للمؤسسات الامنية او المجتمعية.
من الواجب اليوم ومع تصاعد حدة الخلاف أن يكون البحث عن سبيل لإطلاق حوار بدون تدخل أو وصاية من اي طرف بين الشباب والمؤسسة الامنية، كسر حاجز الصمت المعبر عن الخوف من الاخر وانعدام الثقة به خطوة ضرورية يجب البدء في البحث عن تفكيكها عبر الحوار والمهم ان يكون للمجتمع المدني اساساً وللجمعيات الحقوقية دور كبير في التمهيد لذلك لأن استمرار الصدام المغلف بالكراهية والحقد سيقود لما هو اخطر ويساهم بخلق فعل الانتقام ورد الفعل عليه. دون البحث عن اليات لبدء الحوار سنبقى ندور في حلقة مفرغة تقودنا من الصدام الى العنف وتساهم بهدم أسس مجتمع يراد أن يكون مجتمع حرية وعدالة ومسؤولية.
التعليقات مغلقة.