صندوق الزكاة الأسلمة الناعمة نحو ارساء دولة داخل الدولة
بقلم ريم القمري
تم افتتاح وتدشين أول صندوق زكاة في تونس يوم الثلاثاء 19 ماي 2020 في بلدية الكرم بالضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، بإشراف رئيس بلدية الكرم فتحي العيوني، في تحدى لقرارات السلطة التشريعية (البرلمان)، الذي كان رفض في وقت سابق المصادقة على قرار انشاء هذا الصندوق.
حفل تدشين إذا تم بحضور قياديين في حركة النهضة، نذكر منهم حمادي الجبالي القيادي السابق في حركة النهضة، ورئيس حزب الزيتونة الاسلامي عادل العلمي، والعديد من الشخصيات الاخرى التابعة للتيار الاسلامي بصفة عامة.
صندوق شهد انشائه جدلا كبيرا وواسع، وانتقادات كثيرة لهذا القرار، الذي يعتبر اعتداء واضحا وسافرا بل خرقا جسيما لقوانين الدولة لم يسبق له مثيل.
خروج عن التشريعات
وسأدعوكم للتفكير بقليل من المنطق، وبعيدا عن الشعارات الرنانات، من قبيل أنه في النهاية عمل خيري لمساعدة الفقراء، ولا يشكل خطرا على الدولة أو مؤسساتها، ثم هو عمل يبقي محصور ضمن نشاط الدائرة البلدية.
وأقول لكم وبكل بساطة، ان صندوق الزكاة هو أخطر ما يحدث اليوم في تونس ما بعد الثورة، لأنه يدخل ضمن مشروع فكري وايديولوجي، متخذا غطاء انساني سقط منذ البداية.
وبتالي لا شيء يبرر، الخروج عن التشريعات الصادرة عن مجلس نواب الشعب، والذي يعتبر أرقي سلطة تشريعية في البلاد، وكان من المفروض احترام علوية القوانين من حيث الهرم التنظيمي.
فإما اننا نعيش في دولة منظمة بالقوانين ولا علوية لسلطة فيها الا سلطة القانون، او اننا نعيش في عصر الخلافة أو الامارة او أطلقوا عليها ما شئتم من الاسماء والنعوت فتاريخنا حافل بها.
ثم ان هذا الصندوق فيه خرق واضح، للفصل 138 من قانون الجماعات المحلية، الذي لا يشير بأي شكل من الاشكال الى صندوق زكاة، ويضبط بطريقة دقيقة مصادر تمويل البلديات في نشاطها.
ببساطة شديدة أعتقد ان صندوق الزكاة هذا، ما هو الا طريقة لاستغلال المجلس البلدي، ولتكريس قناعة ايديولوجية معينة، واستغلال مؤسسات الدولة والجمعات المحلية، وربما في فترة لاحقة مكونات المجتمع المدني لخدمة أهدافها الفكرية والعقائدية، لتحويل المجتمع وارساء ربما الخلافة السادسة التي طالما لوح بها قادة حركة النهضة في أكثر من مناسبة.
وهو دون شك ويفتح الباب امام بقية البلديات لتسّن ما شاءت من قوانين ،لا تنسجم مع الدستور أي اننا نسير نحو انشاء دولة داخل الدولة لابتلاع الدولة.
أين الدولة؟
ويبدو سؤالنا هنا شرعيا بل منطقيا وضروريا، فأين الدولة من كل ما يحدث خاصة وان السيد فتحي العويني أعلن عن انشاء الصندوق وعن حفل الافتتاح منذ يوم 19 ماي الجاري، ولم تتحرك الحكومة أو رئاسة الجمهورية لوضع حد أو لإيقافه.
لماذا يغيب رئيس الدولة وهو الضامن للدستور والمدافع الشرس عنه، ولا نرى موقف عملي منه او تصريح قوي في هذا الشأن؟
اسئلة تبقي دون اجابات شافية، امام الصمت الحكومي بشقية رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، في الوقت الذي يتم فيه تدشين هذا الصندوق، بحضور شخصيات لها رمزيتها في الحياة السياسية التونسية على غرار السيد حمادي الجبالي القيادي السابق في حركة النهضة، وأول رئيس حكومة بعد الثورة، وهو أيضا أول من بشر بعودة الخلافة وتحدث عن الخلافة السادسة.
يحصل كل هذا امام انظار السلطة التشريعية والتنفيذية في البلاد، ولا يحركون ساكنا ولا يبدو عليهم الانزعاج أو القلق مما يحصل، في منطقة بلدية هامة، تعتبر من أهم المناطق التي تعرف بميولاتها السلفية.
رئيس بلدية يقرر ويخترق القانون وينفذ ولا رادع له، وكأنه تحول الى دولة داخل الدولة، حين لا تلائمه قوانين الدولة، يمكنه تجاوزها والاعتداء عليها اعتداء سافرا.
والاخطر هو التبريرات التي يتم تسويقها لإضفاء شرعية على هذا الصندوق، كأن يصرح مثلا سليم بسباس وزير المالية السابق، والذي حضر طبعا حفل تدشين الصندوق، مطالبا الدولة بدعم هذا الصندوق وادراجه كمشروع وطني لدفع الاقتصاد الاجتماعي التضامني.
معتبرا أن هذا الصندوق سيعاضد مجهود الدولة في دعم العائلات المعوزة، مبررا الجانب الايديولوجي لهكذا صندوق بالدعوة الى انشاء صناديق اخرى مماثلة للديانات الاخرى
وهنا نتساءل بجدية لماذا اسسنا دولة مدنية دولة مؤسسات وقانون، ولماذا انتخبنا مجلس نواب؟ وماذا تنفع البرامج التنموية والحلول الاقتصادية، التي تقدم ضمن السباق الانتخابي، إذا كان بالإمكان الاستغناء عن كل هذا بإنشاء صناديق زكاة، لكل الاديان والملل والطوائف؟
للتذكير أن كتلة النهضة تقدمت بمقترح انشاء صندوق للزكاة، ضمن قانون مشروع المالية لسنة 2020
وقد قام مجلس النواب يوم 10 ديسمبر 2019 بإسقاط هذا المقترح، وكانت نتيجة التصويت ب 74 مع و17 متحفظ 93 ضد.
فأي عنجهية هذه؟ وأي تعدي على القانون ومؤسسات الدولة ؟؟
حيث يواصل رئيس بلدية الكرم فتحي العيوني في تصريحاته الاعلامية، التأكيد على أن مداخيل صندوق الزكاة بالكرم بلغت 58 ألف دينار في ساعة واحدة
وقال فتحي العيوني ” تلقيت عديد الطلبات من خارج أرض الوطن للتبرع لفائدة هذا الصندوق”، مضيفا ” تجربة صندوق الزكاة ينتظرها جميع التونسيين” وتابع فتحي العيوني ” عديد البلديات ستعلن في الايام القادمة عن بعث صناديق زكاة وهذه التجربة ستنجح.
نعم يحصل كل هذا في تونس دولة المؤسسات والقانون، ولا تتدخل السلطات لإيقاف هذه المهزلة أو وضع حد لهذا الاختراق الصارخ لحرمة الدولة، فهل نحن فعلا على مشارف أسلمة الدولة بشكل ناعم لكن حازم؟
التعليقات مغلقة.