سيدي الرئيس الفلسفة فقط هي فن طرح الأسئلة و ليس السياسة
بقلم ريم القمري
خطابات السيد الرئيس قيس سعيد كما تصريحاته تفتح مجالا كبيرا للجدل السياسي بين معارض و مؤيد ، و مساند بشكل مطلق و رافض مهاجم بشراسة .
و هو ما جعله يشكل ظاهرة خاصة و منفردة في حد ذاتها ، منذ بداية دخوله للسباق الرئاسي وحتى وصوله لقصر قرطاج .
و حتى نكون منطقيين ، فإن سعيد كان وفيٌ منذ البداية و أعتقد أنه لايزال الى حد هذه اللحظة لما صرح به منذ وضع قدمه في السباق الانتخابي المحموم نحو قصر قرطاج.
كان الرجل واضحا بعدم تقديمه أي برنامج انتخابي بل و إصراره على عدم القيام بذلك مكررا في اكثر من مرة رفضه تقديم وعود انتخابية لا يمكنه الوفاء بها.
و لعلعها سابقة في عالم السياسية أن يترشح شخص للإنتخابات الرئاسية دون ان يقدم برنامج و مع ذلك ينجح ، بل و ينجح برصيد انتخابي يعتبر استثنائي، بأكثر من مليونين و 700 ألف ناخب منحوا أصواتهم ، مما يمتعه بشرعية لم يسبقه لها احد.
خارج المنظومة
و هو ما يفسر بوضوح أن الشعب التونسي ، تعب من الوعود الإنتخابية الزائفة ، و التحالفات السياسية التى لا تخدم إلا مصلحة الأحزاب المتحالفة، و فشل الحكومات المتعاقبة مما خلف أزمة سياسية و اقتصادية واجتماعية حادة جدا.
أغلب من منحوا أصواتهم للسيد الرئيس فعلوا ذلك بالأساس لانه شخص كان خارج المنظومة السياسية المتعفنة ، و لأنه في نظر منتخيبيه كان شخصا نظيف اليدين ، و لم يتورط خلال العشر السنين الاخيرة بعد الثورة ، في الماركادو السياسي و لا انخرط في التحالفات السياسية و السياحات الحزبية التى حولت للسياسية في تونس في فترة ما الى مسرحية هزلية.
أي ان سعيد مدين في نجاحه لشعب آمن به رغم افتقاره لخطاب سياسي محكم و برنامج واضح المعالم و الاتجاهات .
الشعب يريد
إن العمود الفقري لخطاب السيد الرئيس منذ بداية للانتخابات الى اليوم ، كان اصراره على أن الشعب هو السلطة الحقيقية و المرجع الأساسي، و أنه يجب أن يمتلك سلطة القرار .
و في جل المناسبات التى خاطب فيها سعيد الشعب بعد وصوله الى سدة الحكم سواء كانت خطابات مباشرة أو تصريحات ، كان يصر و يؤكد بل و يكرر على هذا المبدأ ، دون أن يذكر أو يقدم آليات او طرق او برامج لتحقيق هذا المشروع الإصلاحي.
أداء ضعيف و شعبوية
معارضو السيد الرئيس لا يترددون في كثير من المناسبات باتهامه بلغرق في الشعبوية ، و عدم اتسام خطابه و إنجازاته بالواقيعية
أداء ضعيف و لا يستجيب لخطورة المرحلة و يعمق الخلاف السياسي و الصراع المعلن و الخفي الذي تعيشه اغلب الاطراف المتصارعة على السلطة في البلاد.
و للحقيقة و اذا أردنا أن نكون موضوعين ، فإن ما قدمه الى حد الان الرئيس على أرض الواقع يبقي محدودا ، و أن كان من الواضح انه لم يترك أي مناسبة تمر دون تأكيده تصريحا و تلميحا أن النظام السياسي القائم عاجز و لابد من تغييره، و لعل هذه هي أبرز نقطة في برنامج السيد الرئيس غير المعلن بشكل رسمي .
تغيير نظام الحكم في صيغته و شكله الحالي، و لأنه يعلم مسبقا انه لا يملك الآلية الدستورية و القانونية التي تسمح له للقيام بذلك ، يكتفي في كل مناسبة بإعادة طرح ذات الأسئلة ، من قبيل ، أين ذهبت أموال الشعب؟ و الشعب يجب ان يسترد حقوقه، وغيرها من الأسئلة و التصريحات التى يعتبرها خصومه السياسيين إغراق في الشعبوية و أيضا تحريضا صريحا و تهديدا لسلامتهم الجسدية و الأمنية و هو ما ينطوي على مبالغة كبيرة.
و هو ايضا وجه آخر من الشعبوية و الحرب التى كانت الى حد الان غير معلنة بين حركة النهضة و رئاسة الجمهورية ، فالتلويح بسحب الوكالة من الرئيس ، هو قمة الهراء السياسي من طبقة سياسية مفلسة.
من ناحية اخرى فالجميع يعلم أن محدودية صلاحيات الرئيس لن تسمح له بتغيير النظام السياسي القائم، لكنه يمثل برمزيته و شرعيته الانتخابية أيضا حجر عثرة في طريق معارضيه .
و هو ما يفسر مهاجمته إثر تصريحاته الاخيرة بالأمس أثناء زيارته إلى المستشفى الميداني الذي تمّ تركيزه في قبلي لمواجهة انتشار فيروس الكورونا في الجهة.
أعتقد ان قيس سعيد و في إطار الصراع او الحرب المعلنة بينه و بين رئيس مجلس النواب السيد راشد الغنوشي، و الأحزاب المتحالفة معه.
يكتفي اليوم بمهاجمتهم من خلال تصريحات تبقي بلا فاعيلية ، اذا لم يقدم السيد الرئيس آليات حقيقية ناجعة، و فعالة لتطبيقها على أرض الواقع .
فالفلسفة وحدها سيدي رئيس فن طرح الأسئلة ، اما السياسية فهي كيفية تحويل الأسئلة الى إنجازات على أرض الواقع..
التعليقات مغلقة.