بقلم : ريم قمري
أصابت جائحة كورونا العالم بأسره بارتباك شديد، وخلقت جو من عدم الامان والاحساس بالضياع الكامل، مما ترتب عنه نوع من الفوضى والارتجالية، في ايجاد الحلول لكل المشاكل والاوضاع التي انجرت عن هذا الوباء القاتل. ولعل مشكلة التونسيين العالقين خراج حدود الوطن، كانت من أهم المشاكل والمعضلات، التي واجهت الحكومة ووزارة الخارجية، حيث وقفت في اغلب الاحيان عاجزة تمما، بل مصابة بشلل كامل أمام وضع مجموعة كبيرة من مواطنها، العالقين في احيان كثيرة، في مناطق نائية من العالم، بعضها ليس لدينا طيران مباشر معها. وللإشارة هنا اغلب هؤلاء ليسوا مقيمين بالخارج، بل هم فقط سياح، او رجال اعمال ذهبوا لإتمام صفقات واتفاقيات عمل، وطبعا طلبة، وفاجأهم حظر الطيران واغلاق الاجواء، مما أجبرهم على البقاء حيث هم في وضع يزداد كل يوم كارثية وسوء. ان معظم العالقين وجدوا أنفسهم دون مأوى، واستنفذوا أموالهم وهم فعلا في وضع حرج جدا، وربما يعد العالقون بالبلدان العربية، على غرار مصر والامارات مثلا، أوفر حظا حيث تطوع بعض الفنانين وقاموا بإيوائهم بالفنادق، والتكفل بمصاريفهم مدة الحجر، أي خلال أربعة عشرة يوما، في انتظار ان توفر لهم الدولة التونسية طائرات لترحيلهم، فان وضع الاخرين العالقين مثلا بزنجبار وغيرها من المناطق ما وراء البحار، يواجهون بمفردهم الاهمال والضياع.
ورغم تكرر نداءاتهم، عبر القنوات الرسمية و عبر وسائل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي ، لم توفر لهم الدولة الى الان، أي حل او مخرج. والحديث عن اجلاء التونسيين العالقين بالخارج ليس بالجديد، بل انه كان محور اهتمام ومنذ بداية الازمة، فقد أكد رئيس الجمهورية في لقاءاته الاولية مع وزير الشؤون الخارجية، على موضوع الاجراءات والقرارات اللازمة اتخاذها، لتسهيل عودة التونسيين العالقين بالخارج من غير المقيمين وذلك من خلال الجهود الدبلوماسية المبذولة للتنسيق، بين الدول، وايضا عن طريق حشد، الدعم المالي.
وتجدر الاشارة ان السلطات التونسية، توفقت في اجلاء عشرين الف تونسيا، عالقين بالخارج منذ 14 مارس الماضي، الى حدود كتابة هذا المقال. نواب تونسيون بالخارج يطلقون صيحة فزع طالبت لجنة شؤون التونسيين بالخرج أمس، في مجلس النواب الحكومة بالإسراع بإجلاء التونسيين المقيمين بالخارج، مؤكدة ان الرحلات، التي برمجتها وزارة النقل، بالتعاون مع وزارة الخارجية، غير كافية. مشددة على ان الاوضاع كارثية بالنسبة للبعض، اللذين يتضورون جوعا، ومنهم من أصبحوا بلا مأوى ويتسولون في الشوارع. اضافة الى وضع شريحة الطلبة التونسيين بالخارج، اللذين لا يتمتعون بمنح جامعية، وفقدوا مواطن شغلهم نتيجة الحجر الصحي في بلدان اقامتهم بالمهجر. واقترح النواب تخصيص نسبة ضئيلة من الميزانية، التي رصدتها الحكومة لمقاومة جائحة كورونا، لدعم القنصليات حتى تتمكن هذه الاخيرة، من مد يد المساعدة للتونسيين بالخارج في هذا الظرف الصعب والاستثنائي.
وتجدر الاشارة، ان عدد العالقين بالخارج يتجاوز 1500 شخص، واغلبهم يواجهون صعوبات كبيرة ويعيشون وضعا خطيرا. صيحات استغاثة من وراء البحار في نفس الإطار، يستغيث تونسيون بتنزانيا وزنجبار منذ 10مارس، مطالبين بالمساعدة من السلطات التونسية، للعودة بهم الى تونس. اضافة الى اخرين عالقين في بورما ايضا في انتظار اغاثتهم.
هذا وتنطلق اليوم، سلسة اخرى من رحلات اجلاء التونسيين في الخارج، ويتضمن البرنامج الرحلات التالية 7افريل رحلة من كرواتيا ومصر يوم 9 افريل: بوركينافاسو ونيامي/النيجر 10 افريل: البنين والكوت ديفوار 11 افريل: السينغال ورحلة ثانية من بلجيكا 12 افريل: كوناكري وباماكو. الاجلاء قرار سياسي يبدو أن الدولة التونسية، المحكومة بمحدودية الامكانيات، اعطت الاولوية، في عملية الاجلاء للمقيمين ببعض البلدان الافريقية على غرار المذكورة أعلاه. لكن هناك بلدان اخرى، فيها اعداد هامة من التونسيين العالقين، والتي لم تبرمج فيها أي رحلات اجلاء، على سبيل المثال الكمرون، افريقيا الوسطى، وافريقيا الجنوبية، تشاد، جيبوتي، اثيوبيا ومدغشقر. ودون ان ننسى العالقين، في قطر، دبي، والسعودية، مع العلم ان اجلاء العالقين، بالخليج العربي لا يكلف الخطوط التونسية كثيرا.
والاخطر من هذا، انه يوجد ايضا تونسيون عالقون، في سفن ببوسطن، ميامي، بريطانيا واسبانيا وغيرها، وبعضهم يعاني من اصابته بوباء كورونا، مع العلم ان الشركات التي يعملون لحسابها اعربت عن استعدادها الى ايصالهم لمطار قرطاج، وهي تنتظر فقط تنسيقا مع الحكومة التونسية لم يأتي.
ان عمليات الاجلاء ليست قرار وزارة الخارجية، او الخطوط التونسية، بل هي قرار سياسي يأخذ بعين الاعتبار توفير الطائرات، ثم الاهم توفير فضاءات الحجر الصحي الشامل بعد الاجلاء، في انتظار ذلك يبقي عدد كبير من التونسيين، عالقين بالخارج يواجهون المرض والجوع والتشرد.
التعليقات مغلقة.