سيدي الرئيس ، اقطع الحبل السرّي قبل وقوع المحظور…
بقلم : رشيد الكرّاي
سيدي الرئيس ، أخاطبك اليوم بما يستوجبه المقام من احترام وتقدير لمنصب الرئاسة حتى لو لم أكن من المصوّتين لك ولا لمنافسك في الدور الثاني ، فأنت اليوم بعد أن تسلّمت العهدة رسميّا ، رئيس لكلّ التونسيين الموالين لك والمعارضين ، وأنت عنوان الدولة الأبرز وممثّلها الأول في الداخل والخارج ، والمسؤول على حسن سير مؤسساتها ودواليبها واحترام دستورها والسهر على تنفيذه . أنت اليوم لم تعد الأستاذ الجامعي الذي يلقي على طلبته الدروس ، فيأخذون من علمك ومعارفك قدر ما استطاعوا من الفهم والاستيعاب ، ومحمولون يوم الامتحان بإرجاع ما نهلوا منك من معارف لتقييم درجات حسن أو سوء تلقّيهم ما علّمتهم إيّاه .
أنت اليوم سيدي الرئيس لم تعد الأستاذ المُمتحِن بل الرئيس المُمتحَن لا فقط من طلبتك وأنصارك ، بل من كل أبناء الشعب التونسي الذي نلْت شرف رئاسته وتمثيله ، الذين رأوا فيك الشخصية المثلى لقيادة سفينة تتلاطمها أمواج عاتية بعضها “شرش برّاني” وأكثرها “شرش دخلاني” على قول جماعة الأرصاد الجوّية . لقد تلمّس فيك أغلب التونسيين من الناخبين الشخصية الأقرب إلى نفوسهم وهواهم ، فأنت تنتمي إلى الطبقة الوسطى ، وتسكن حيّا سكنيّا تملك فيه شقّة كما أغلب أبناء هذه الطبقة ، وتتعامل مع الجيران والمعارف بكل رحابة صدر وأريحية ، تتناول معهم قهوة الصباح أو المساء ، وتبتاع حاجياتك المعيشية من عطّار وخضّار وجزّار الحومة وتحلق شعرك وذقنك هناك عند أحد الحلاّقين ، فأنت بالنسبة لهم منهم وإليهم ، لا يُعرف عنك فظاظة في القول ، أو سوء أفعال ، وماضيك لم يتّسخ بأدران السياسة وأهلها ، ولم يعُرف عنك تحزّبا إلى أي طرف رغم محاولات الاستحواذ عليك وحشرك في الزاوية واستثمار نجاحك الانتخابي الباهر . أنت بالنسبة لهؤلاء رئيس استثنائي لتونس المستقلّة وجمهوريتها الثانية التي عصفت بها الأهواء ونوازع الاستحواذ والهيمنة على ثورتها التي قام بها الشباب العاطل والمهمّش ، فإذا البعض ينتصب حاملا لواءها لوحده مدّعيا شرعية الكلام باسمها وبأهدافها وخارقا لشعارها الأول “شغل حرية كرامة وطنية” ، محاولا البحث لنا عن هويّة جديدة وكأنّنا أبناء زنا ، أو جاءت بنا صُدفة من صُدف التاريخ والحضارة
هؤلاء سيدي الرئيس ومنذ إعلان فوزك ، ما انفكّوا يأتون بكل الأعمال التي تسيء إليك وتضرب مصداقيّتك في مقتل ، وتمسّ من هيبة ومصداقية وكرامة المنصب الرئاسي ، معتقدين أنّك واحد منهم ويجوز لهم فعل ما يحلو لهم من سوء الأفعال وأحسنها على قلّتها ، وأن ينتقموا من رموز خمس سنوات اضطرّوا خلالها على مواراة وجوههم والابتعاد عن الأضواء وعدم إحراج الطرف السياسي الذي كان وراء انبعاثهم من الأكمة . ولا أظنّك في هذا الموضع سيدي الرئيس أنّك لست على بيّنة من جملة الأفعال التي أتوا بها لحد اللّحظة ، والتي تنذر بمزيد التصعيد والتأجيج والعودة بالبلاد لتلك الأجواء التي عاشها التونسيون طيلة الثلاث سنوات التي أعقبت الثورة ، والتي كانت حصيلتها ثلاثة شهداء من السياسيين وعشرات الشهداء من أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية ، وبروز وجوه جديدة من الفاسدين والنّاهبين للمال العام من الحكّام الجدد والمتمعّشين منهم من قديم وجديد الفاسدين
أعلم سيدي الرئيس أنّك تمشي في حقل مليء بالألغام البارز منها والمخبّأ ، وأن الجميع يسارعون الخطى ليكونوا من بطانتك المقرّبين حتى يتحكّموا في قرارك ويتمكّنوا من خلالك بمنصب الرئاسة الذي لم يدن لهم بصناديق الاقتراع ، وتصبح هكذا أسيرا لهم ، والعصفورَ النادر الذي طالما بحثوا عنه لرميه في قفص قرطاج الذهبي ، والاكتفاء بدور عدل الإشهاد أو الكاتب العمومي ، يصدّق ويؤشّر على ما يريده صاحب الحاجة دون زيادة أو نقصان .
ولست أخالك سيدي الرئيس وأنت على ما أنت عليه من فطنة وحضور بديهة ، بأنّك تجهل ما يُحضّر لك في مطبخ القوم من فاسد الطّعام ومسموم الثّمار ، ودعواتهم الودّية للجلوس إلى مائدتهم ومشاركتهم طعامهم ، فاحذر سيدي الرئيس موائدهم الملغّمة بشتّى أنواع المتفجرّات والمكر والخديعة ، واعمل على أن تتعشّى بهم قبل أن يتسحّروا بك
وقديما قال الشاعر العبّاسي أبو الحسن علي بن العباس :
عدوك من صديقك مستفاد == فلا تستكثرنَّ من الصِّحابِ
فإن الداءَ أكثر ما تراهُ == يحول من الطعام أو الشراب
إذا انقلب الصديق غدا عدواً == مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ == مُصاحبة ُ الكثيرِ من الصوابِ
وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ == وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ
التعليقات مغلقة.