حلقة وصل _ فريق التحرير
غير بعيد عن الحرم المكي حيث ينفر ملايين من المؤمنين بكل الوسائل ليكونوا في الأيام العشر الأخيرة من رمضان طائفين ركعا سجودا لله عز وجل في مشهد يصعب عن الوصف . الحرم المكي والذي يشهد توسعة جديدة تتجاوز الخيال يطوف به كل يوم ملايين المعتمرين ولا تجد فيه موطئ قدم إن تأخرت قليلاً أو تعسر وصولك للمشاعر المقدسة التي وصل عدد زوراها في العشر الأواخر من شهر رمضان لما يقارب خمسة ملايين معتمر.
مائة عام تقريبا على صناعة الكسوة
في هذا المشهد المهيب وملايين البشر من مئات الجنسيات والاعراق وغير بعيد عن قلب مكة يقبع مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة حيث تصنع كل سنة كسوة الكعبة والتي بدأ في صناعة وتطريز الكسوة منذ 94 سنة بعد أن كانت مصر تتكفل ومنذ عهد المماليك بخياطة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة. ومنذ عام 1927 اختصت المملكة العربية السعودية بصناعة كسوة الكعبة المشرفة إلى يومنا هذا وتناقلت أجيال وراء أجيال فن صناعة النسيج وصبغ الحرير والخياطة والطباعة والتطريز.
جلالة المهمة
الصمت والعمل بهدوء يشعران من يزور المصنع برهبة وقدسية وقيمة المهمة التي يتنافس في أدائها رجال وهبوا حياتهم بصمت وبعيد عن الاضواء لخدمة بيت الله الحرام بفخر يعجز الوصف عن تقديره ومنهم من افنى كل سنوات العمر في جنبات المصنع يباهي في كل سنة السنة التي سبقتها وهم يجتهدون في انجاز كسوة جديدة للكعبة المشرفة تنافس في الجمال والإبداع والدقة وبكثير من الحرفية الكسوة التي سبقتها وينتظرون بشغف وشوق ان يكونوا حاملين لها ويسيرون بفخر لأسدالها على جنبات الكعبة. عندما يكتب لك زيارة مكة المكرمة وتنال زيارة مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة ويقدم لك المشرفون لمحة عن تاريخ صناعتها ودقة العمل واليدي الماهرة التي يزيد عددها عن مئتي رجل يعملون دون كلل طوال عشرة أشهر حتى تكتمل هذه التحفة الفنية التي تأخذ الألباب وانت تتابع كيف تتحول خيوط الحرير الى قماش الكسوة بألوانه السوداء والخضراء وبخدمة يتفانى فيها صناعها بالجهد والاتقان ليحولوها الى تحفة فنية رائعة . بعد تصنيع القماش واعداده تبدا عملية الاعداد لتطريز الكسوة بالآيات القرآنية وبخيوط من الفضة المغطاة بالذهب وتعمل الأيدي دون ملل أو تعب وبمهارة عالية في تنفيذ تحفة فنية رائعة تتجلى فيها روعة الإتقان ودقة التنفيذ وجمال الخط العربي الأصيل.
الكعبة تلبس الثوب الجديد
تستبدل الكعبة كسوتها مرة واحدة كل عام وذلك أثناء فريضة الحج وبعد أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات، يتوافد أهل مكة إلى المسجد الحرام للطواف والصلاة ومتابعة تولي سدنة البيت الحرام تغيير كسوة الكعبة المشرفة القديمة واستبدالها بالثوب الجديد، استعدادا لاستقبال الحجاج في صباح اليوم التالي الذي يوافق عيد الأضحى. عقب صلاة العصر تبدا مراسم تغيير الكسوة، حيث يقوم المشاركون في عملية استبدالها بتثبيت قطع الثوب الجديد على واجهات الكعبة الأربعة على التوالي فوق الثوب القديم، ليتم فك حبال الثوب القديم ليقع تحت الثوب الجديد نظرا لكراهية ترك واجهات الكعبة مكشوفة بلا ساتر.
رجال وهبوا حياتهم لخدمة بيت الله الحرام
العمل في المصنع يختلف في معانيه عن الكثير من المهن الأخرى وبالإضافة للحرفية والدقة واللمسات الفنية الإبداعية التي تميز كل خطوة في العمل بدء باختيار نوع الحرير وتصنيعه ونسجه وصباغته وصولا للعمل الكثر دقة حيث يلزم من يشارك في تطريز الكسوة الكثير من الفن والمهارة والصبر الذي لا ينتهي طالما العمل متواصل لإنجاز الكسوة ، كل هذه المهارات يضاف لها لمسات إيمانية عميقة تجد صداها في وجوه العاملين والصمت المخيم على ردهات قاعات العمل فكل واحد فيهم وكأنه متعبد في محراب يعمل ابتغاء مرضاة الله وشوق لخدمة بيته الحرام يهبون سنوات حياتهم دون كلل او ملل فمنهم من قضى اكثر من خمس وثلاثين سنة في المجمع يشارك بجهده وفنه كل سنة من اجل ان يحمل للكعبة المشرفة ثوبها الجديد.
متعة العمل في خدمة بيت الله الحرام وكسوة الكعبة المشرفة لا يضاهيها أي عمل أخر ففي كل لحظة من عملهم تقرب لله عز وجل وابتغاء مرضاته لا يعادل قيمة ذلك أب عمل مهما كانت اهميته او فائدته فكيف لمن وهبوا حياتهم لخدمة بيت الله الحرام أن يبادلوها بثمن دنيوي لا يغنيهم عن رضوان الله ورسوله.
التعليقات مغلقة.