” الرّجاء عدم التبوّل وقوفا “
بقلم : وداد رضا الحبيب
أحسست فجأة برغبة جامحة في التبوّل وقوفا. يا إلهي كم أرغب في ذلك! تسارعت دقّات قلبي. سكنتني الفكرة وألحّت عليّ كناقوس يشقّ صمت الغرفة. رأيتُ أنيابي تصير أطول وثغري يبتسم واللّعاب يسيل منه من فرط الرّغبة. كنت واقفة في الحمّام أمام تلك اللافتة المكتوب عليها باللّغة العربيّة والمترجمة إلى اللّغة الفرنسيّة والانجليزيّة ” الرّجاء عدم التبوّل وقوفا ” وقد تفنّنوا في رسم الأحرف كلوحة فنيّة تحدّثك عن عمق الحضارة العربيّة وتذكّرك بالمخطوطات القديمة.
على ذلك المسطّح اتّحدت الحضارات الثّلاث واتّفقت جميعها على منعي من التبوّل وقوفا. رفعتُ الغطاء، نظرتُ إلى الثّقب الأسود المغمور بالماء فبدا لي امتدادا من ماء النيل العربيّ والسّان الفرنسيّ والتايمز الانجليزيّ. ارتفعت عيناي إلى اللّافتة الشّامخة أمامي في مكانها لا تثيرها عاصفة أفكاري ولا ضجيج مشاعري التي ملأت الغرفة. بدت لي أحرف اللافتة أكثر سمكا ولونها الدّاكن أكثر سوادا. بدا وكأنّه برز لها حاجبان كبيران مقوّسان وعين ثالثة ترمقني بها. تراجعت من الخوف، ولكنّني رفضت الاستسلام وعدت أمام الحمّام مباشرة أنظر إليها بإصرار ” سأفعلها الآن …” فتحت البنطلون بل خلعته بأكمله….لكن كيف يمكن للأنثى أن تتبوّل واقفة؟ صدمتني الفكرة….تراجعت….ألا يحقّ لي ذلك؟ أحسست بالحزن…بالخذلان…سأفعلها رغم كلّ شيء ….لا أحد هنا…..تسارعت دقّات قلبي أكثر فأكثر….جعلت الحمّام تحتي واللافتة المشؤومة بحضاراتها الثّلاثة خلفي….” أنا ” السيّدة هنا…القرار لي…واللّحظة مِلكي…فرحتُ….أحسستُ بالنّشوة، نشوة الانتصار….هاهي قادمة …أشعر بها تكتسح المجاري البوليّة …ستهطل مطرا لتهزّ عرش الحضارات الثّلاثة. جاءت اللّحظة الحاسمة….أنا….أنا الإمبراطورة تسدّ بأجنحتها الأفق….
نظرت فإذا بي أتبوّل جالسة! كيف ؟ كيف انحت رُكبتاي؟ متى؟ في أيّ لحظة؟ من أعطاهما إذن التمرّد على قراري؟؟ لم أستطع النّظر إلى اللّافتة. نهضت من مكاني وقد احدودب ظهري واختفت أنيابي.. أرّقتني الحادثة بقيّة أيّامي التي مكثت خلالها في المصحّة. صار الحمّام كابوسا مزعجا وصارت اللافتة وحشا يقهقه عاليا، يسخر منّي ومن خلالها ملايين المارّين من سراديبها. تجنّبت بعدها مواجهتها ما استطعت حتّى إذا اشتدّ بِي الألم أدخل مسرعة، ثم أخرج مهرولة وأنا لا أدري إن كنت قد استوفيت فعلا حاجتي. اعتبرت تجاهلي لها في حدّ ذاته انتصارا لكرامتي المنهوبة. ليت لي ذكرا لأتبوّل واقفة …لما حُرمت هذه المتعة…متعة الاغتصاب!
التعليقات مغلقة.