التطبيع العماني المعيب
بقلم : عمر حلمي الغول
لوثة التطبيع العربي الرسمي المجاني تتفاقم، وترتفع وتيرتها، ويتضاعف تضليل الشارع العربي من خلال قلب الحقائق، التي لم تعد بضاعة إسرائيلية وأميركية فقط، بل باتت بضاعة لبعض العرب الرسميين لتبرير سقوطهم في براثن الذرائعية الإسرائيلية الإستعمارية، وللتغطية على مسابقتهم الزمن للبوس العباءة الأميركية وصفقة قرنها، ولحرف الأنظار عن الحقائق الدامغة في ركائز الصراع الفلسطيني العربي /الإسرائيلي، وللتخلي كليا عن محددات مبادرة السلام العربية وأولوياتها.
وفي سياق تعري بعض العرب المعيبل أمام إسرائيل الإستعمارية، شهد مؤتمر دافوس الإقتصادي، الذي باشر أعماله أول أمس السبت الموافق 6 أفريل الحالي (2019) في قصر الملك حسين على البحر الميت / المملكة الأردنية مرافعة يوسف بن علوي، وزير الشؤون الخارجية العماني عن إسرائيل الإستعمارية والتطبيع المجاني، متذرعا بحجج واهية لا تمت للحقيقة بصلة، عندما قال، أن “المشكلة تكمن في أن العرب لم يقدموا للإسرائيليين ما يجعل إسرائيل مطمئنة. وإنه يجب ان نشجع الدولة الإسرائيلية لتشعر، أنها جزء من الشرق الأوسط.”
وأضاف المناضل القديم في الجبهة الشعبية لتحرير ظفار، الذي تخلى عن مبادئه القديمة منذ زمن بعيد “نحن العرب يجب ان يكون لدينا القدرة لتبديد هذة المخاوف بإجراءات وإتفاقات حقيقية بيننا، يجب ان نبحث كيف نشجع الدولة الإسرائيلية لتشعر انها جزء من منطقة الشرق الأوسط، وأن تتداخل كل القضايا المصلحية مع مصالح المنطقة”. وتابع دون ان يرف له جفن، قالبا الحقائق رأسا على عقب ” الإسرائيليون يشعرون أنهم في منطقة تهدد مستقبلهم”، وقال مناقضا نفسه، وهذا الشعور “وهذا غير صحيح ..” ثم يعود لتسويق بضاعته الخاطئة والمرفوضة من الفلسطينيين والعرب المدفعين عن الحد الأدنى من حقوقهم “إسرائيل لديها مشكلة في الثقة بالعرب …” ولم يشر الوزير العماني لإسباب البضاعة الإسرائيلية الفاسدة والكاذبة.
بحسب ما ورد على موقع “عربي 21” ولم يمهل وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي زميله العربي كثيرا من الوقت للرد عليه، فقال مباشرة، أن “المشكلة غير مرتبطة بإعتراف العرب بإسرائيل. المشكلة الحقيقية تتمثل في أن هناك أراض فلسطينية محتلة من إسرائيل، وأن المشكلة فيما تفعله إسرائيل من إهدار للحقوق الفلسطينية.” واضاف الوزير الأردني” إذا كانت إسرائيل غير مطمئنة فهذة مشكلتها، وليست مشكلتنا، إسرائيل لا تأبه بأحد، تقوم حاليا ببناء المزيد من المستوطنات وتصعد النزاعات.” وتابع قائلا ” هناك دول تقول ستعترف بإسرائيل. لكن عليها أولا الإعتراف بالدولة الفلسطينيةعلى حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية.” وأكد الصفدي أن ” المشكلة بأن إسرائيل لا تحترم حقوق وكرامة الفلسطينيين في أراضيهم، وهي مطمئنة لإمنها، فهي دولة قوية، لكنها لا تؤمن بحق الفلسطينيين بالحرية والكرامة.”
وأضيف لما جاء على لسان وزير الخارجية الأردني، أن نتنياهو رد ايضا على الوزير العماني في مقابلته مع صحيفة “يسرائيل هيوم” يوم الجمعة الماضي الموافق 6 أفريل الحالي، عندما أكد بالفم الصهيوني الملآن، انه لن ينسحب من اية مستعمرة مقامة على الأرض الفلسطينية، وأن القدس ستبقى موحدة وعاصمة لإسرائيل، وانه لن يسمح بعودة قطاع غزة لحاضنة الشرعية، وسيبقي إمارة حماس قائمة، وأضاف رئيس الحكومة الإسرائيلية المنحلة، انه لن ينسحب من الأغوار الغربية الفلسطينية، ليس هذا فحسب، بل انه قال أن ترامب، في ولايته الثانية على رأس الولايات المتحدة (هذا إذا قدر له البقاء والفوز في الإنتخابات القادمة)، سيعترف ب”سيادة إسرائيل على الضفة الفلسطينية كلها”.
فهل بعد هذة الإعترافات من زعيم الليكود، ورئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ما يمكن ان يضاف للوزير العماني ليقتنع أن إسرائيل لا يعنيها سوى مشروعها الإستعماري، وتمدده على كل الأرض الفلسطينية؟ ومع ان بن علوي يفترض، انه ضليع في عالم السياسة الخارجية، ومتابع عن كثب الصراع العربي الصهيوني تاريخيا بحكم توليه حقيبة الخارجية ردحا طويلا من الزمن، وكونه “مناضل قومي سابقا”، ومن الذين وقعوا على مبادرة السلام العربية بمحدداتها الأربع عام 2002 في قمة بيروت، هل تريد إسرائيل أكثر وضوحا من إستعداد العرب ومنظمة التعاون الإسلامي بدولها ال57 للإعتراف والتطبيع بإسرائيل بعد ان تعترف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من جوان 1967 والقدس الشرقية عاصمتها، وتنسحب من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة؟ وماذا تريد إسرائيل أكثر من تهافت عُمان وقطر والإمارات وغيرها من الدول العربية وتطبيعها المجاني؟ ومن الذي يحتاج للثقة إسرائيل أم الفلسطينيين واشقائهم العرب؟ ومن الذي يملك ترسانة الأسلحة النووية والنانوية والتقليدية الحديثة والمتطورة جدا، التي تزنرها حتى التخمة؟ ومن الذي يهدد الأمن والسلام في المنطقة والأقليم إسرائيل أم الفلسطينيين والعرب؟ ومن الذي تشرد وطرد من ارض وطنه الإسرائيليين، القادمون من بقاع الأرض أم اصحاب الأرض والوطن الفلسطينيون العرب؟ ومن الذي يرتكب جرائم الحرب على مدار الساعة؟ أليسوا الإسرائيليون الإرهابيين والقتلة، المغتصبون للإرض الفلسطينية العربية؟ كنت اتمنى لو ان بن علوي يكف عن الثرثرة واللغو المتهافت، والذي يميط اللثام عن عجز فاضح. ولكنه لا يقوى على ذلك، لإنه يدافع عن خيار السياسة المثلومة والكسيحة، والسقوط في براثن التطبيع المجاني، وينفذ إملاءات إدارة ترامب اليمينية المتماهية مع إسرائيل في حربها على الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية، ضاربة عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، وحقائق التاريخ والجغرافيا وبلا ثمن يذكر، لا بل بثمن على حساب الأشقاء الفلسطينيين، ومصالح الأمة العربية وقضيتها المركزية. شكرا للأردن ملكا وحكومة وأحزابا وقوى ونقابات وشعبا على الموقف الثابت والداعم لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، والذي يشكل رافعة للنضال الوطني الفلسطيني في زمن الروبيضه.
التعليقات مغلقة.