الفيلم الوثائقي “عالسكة” : خارج السكة
” عالسكة ” فيلم وثائقي للمخرجة الشابة أريج السحيري التي صارعت مع المنتجة السينمائية درة بوشوشة و منذ ما يزيد عن سنتين كي يرى النور ،مرة أولى بإصرارهما على عرضه رغم عدم اكتماله في شهر جانفي 2017 و ذلك تنديدا بتكرار حوادث القطارات و مرة ثانية في شهر مارس 2019 بعد استكمال تصوير مشاهده .
يطرح الفيلم بالتوثيق حياة السائقين بقطارات الشركة الوطنية للسكك الحديدية و ما يتعرضون له من مشاقّ جسدية و نفسية إلى جانب المشاكل التقنية بسبب أعطال تغض الشركة النظر عنها و لا تحاول إصلاحها أو حتى السعي إلى معالجتها ضبطا و تصحيحا . و هذا ما جعل عصام الفيتاتي مساعد سائق أن يستنكر إهمال الإدارة لعمليات الصيانة فيرفع في ذلك عدة تقارير مآلها سلة المهملات حسب أقواله . و لما لم يجد آذانا صاغية التجأ إلى الإعلام و فضح تكاسل رؤسائه عن المتحرك الجدي من أجل الحفاظ على سلامة السائقين و بالمقابل على حياة المسافرين .
حاولت أريج السحيري قدر ما سمح لها وقت الفيلم أن تغطي كل معاناة هذه الفئة من عمال “الشيمينو” كما يسميها أبناء الشركة الوطنية للسكك الحديدية ،فسبحت في عالم أحمد شاب الأربع و ثلاثين سنة وريث المهنة أبا عن جد و الذي تم تعيينه بعد الثورة للعمل على “السكة القياسية” إلى جانب زملاء آخرين ،هذه السكة التي كان من المفروض أنها وُضعت وفق معايير عالية بشروط سلامة دولية إلا أننا نكتشف أنها الأقل صيانة مقارنة ببقية السكك .
أحمد الفنان الذي أصبح سائقا و عصام الذي تركته زوجته في خضم معركته ضد الفساد و عبد الرحيم الشاب الذي يعمل ليجمع مالا يُموّل به مشروعه الموسيقي و عفاف سائقة القطار التي وجدت نفسها أنثى في عالم ذكوري بآمتياز . أربع بورتريهات مختلفة للوجه البشع لهذه الشركة التي كانت في زمنٍ ما رمزا لجمع كل التونسيين، فأصبحت وسيلة قاسية للتعذيب و طريقا مختصرا للموت .
و رغم كل الخسائر البشرية التي تُسجلها حوادث القطارات إلا أن إدارتها لا تزال تتحجّجُ بمبررات واهية و غير منطقية حتى لا تطبّق حلولا واقعية تمنع عن عملتها جور المسافرين الغاضبين كلما تعرّضوا لحادث أو توقفوا لساعات بسبب عطل لا يملكون معه إصلاحا. و مهما تعالت الأصوات مُندّدة و مطالبة بإقالة هذا الرئيس أو ذاك الوزير، فإن الحال يبقى كما هو عليه بين إدارة أشد صلابة من حديد السكك و عمال يموتون ” عالسكة “.
التعليقات مغلقة.