بقلم : منير فلاح
في الحقيقة لقبي الفلّاح مستحدث وأصبح يلازمني منذ سنة 1976 حين كان سنّي 21 سنة…وقمت بتغيير اللّقب لمّا تقدّمت لإمتحان الباكالوريا…قبل ذلك التّاريخ كنت أدعى منير العايدي نسبة لجدّنا الولي الصّالح عايد الذي قدم لبلادنا من الجزيرة العربيّة مع الجحافل العربيّة زمن الفتوحات.وإستقرّ أحد أبنائه سيدي يوسف بمدينة صفاقس في منطقة وحيّ سكني يحمل إسم ربط العوايد وكانت لهم مقبرة خاصّة دفن بها الأجداد من الصّالحين وأصبحت فيما بعد قبلة العديد من العائلات الصفاقسيّة للتبرّك بأوليائها. وكانت هذه المقبرة محاذية للمستشفى الجامعي بالجهة وبني مكانها الآن مغازة كبرى للملابس الجاهزة.
والعوايد كما ذكرت نسبة لجدّنا عائد ولي صالح قدم مع الفتوحات العربيّة مع قبائل الهمامة…وكان يكنّى ببن نيران…و يروى انّه كان تاجر نوق ولمّا كان في الصّحراء صحبة نوقه قادما بها للقبيلة وبينما هم نيام سرقت النّوق…ولمّا انتبه أفراد القافلة إلى السّرقة هرعوا لسيّدهم عائد لإعلامه بالحادثة فوجدوه هادئا وقال لهم النّوق ستعود بإذن اللّه…ويقال انّ السرّاق وهم يقودون النّوق لاحظوا أنّ النّار أحاطت بهم من كلّ جهة فايقنوا أنّهم في خطر فأعادوها لأصحابها طالبين الصّفح… كان لعائد عديد الأبناء استقرّ بعضهم بمصر بمدينة الإسكندريّة والبعض الآخر بتونس وإختار البقيّة الانتشار بمنطقة الساقية الحمراء بالمغرب…
بالنّسبة لتونس هناك “بيّ الشّايب” استقرّ بجهة الفحص وبنى بيته هناك وهو الآن مزار ليومنا هذا يسمّى ببيت “بيّ الشايب”..يتولّى أحفاد أحفاده العناية بالزّائرين له حسب الطريقة المتوارثة اب عن جد… وهناك ابنة استقرّت بجهة سيدي بوزيد ودفنت هناك بمنطقة قرب مدينة الرّقاب … واستقرّ ابناء لها بمنطقة الشراردة بالقيروان وآخرون بطريق السلطنيّة بمدينة صفاقس… امّا جدّنا سيدي يوسف خيّر الإستقرار بصفاقس المدينة وكان وليّا صالحا …ويروى انّ احد الحكّام ضاق ذرعا من نفوذه أمر بان يلقى به في باحة بها أسد …وبعد مدّة وجدوا الأسد نائما بين ذراعيه…
سيدي يوسف له حضور قويّ لدى كلّ عائلات العوايد في صفاقس يتباركون به ويسمّون ابناءهم بإسمه …مثلا أبي اسمه يوسف وإبني سميّته يوسف هو الآخر… لقب العايدي منتشر في صفاقس بكثرة وإستقرّوا بربط العوايد بجهة إريانة الصفاقسيّة… وسعيد العايدي وزير الصّحة السّابق ينحدر من هذه العائلات فوالده عمّ الصّادق مولود بحي الرّبط وكان نابغة في الدّراسة وكان والدي يفخر به ويروي لنا حكايته ليشجّعنا على طلب العلم …كان يقول لنا :”ما كانش عنّا ضوء وقتها كانت الإضاءة بالقْازة وكان الصّادق في أغلب الأوقات يقرا على الضّوء متاع الحاكم في الزّنقة…وكان من النّاجحين ودرس بالخارج وكان من أوّل التوانسة الحاصلين على الشّهادة الكبيرة في الرّياضيّات…”
وشاءت الصّدف أن التقي عمّ الصّادق طيّب اللّه ثراه لمّا كان بديوان وزير التربيّة ورئيس اللّجنة الثقافيّة بجهة قرطاج وعضو بلديّتها في خصوص وضع نادي السيّنما هناك بوصفي رئيس حركة نوادي السّينما…كان رجلا متخلّقا ديمقراطيا للنّخاع رحّب بي كثيرا وأذن بمنح النّادي مقرا بالهاسياندا وبمجانيّة العرض بقاعة السّينما التّابعة للبلديّة وبمنحة ماليّة معتبرة في ذلك الوقت…وقبل ان اخرج من مكتبه اعلمته بأنّي عايدي من ربط العوايد بصفاقس وأبن صديق طفولته يوسف الفلّاح… فدمعت عيناه وضمنّي قائلا: “شنيّة أحوال بوك سلّملي عليه برشة …”
حكايتي هذه مع عم الصّادق رويتها لإبنه سعيد لمّا كان وزير التّشغيل وجاء لصفاقس لحضور حفل افتتاح اكتوبر الموسيقى بحفل بيانو لمعزوفات من تأليف وزير الماليّة وقتها جلّول عيّاد وكنت انا مندوب الثّقافة هناك… وشرحت له أنّ لقب الفلّاح هو كنيّة لجدّي نعته بها أولاد الرّبط لأنّه كان يلبس” الكدرون الصفاقسي ولاهي بفلاحة العائلة “…وضحك لمّا قلت له “انا منير الفلّاح من عوايد صفاقس من جذور همّاميّة بوزيديّة عايش في تونس العاصمة.”
التعليقات مغلقة.