حركة فيفري المجيدة يوم 5 فيفري 2019
بقلم : منير الفلاح
إحتفل الطلبة التّونسيّون بذكرى مرور 47 سنة على حركة فيفري المجيدة … في مثل هذا اليوم من سنة 1972 هاجمت قوّات البوليس المركّب الجامعي بعنف بالغ لإفشال المؤتمر 18 للإتّحاد العام لطلبة تونس الذي تمّ إفتتاحه دون رضا السلطة ومباركتها يوم 2 فيفري وتواصلت أشغاله إلى يوم 5 فيفري . ومثّلت هذه الحركة نقلة نوعيّة في تاريخ العمل النّقابي والسّياسي بتونس وذلك بحكم عمق الشّعارات التي رفعتها والتي رسمت الخطّ النّضالي العام للحركة الطلّابيّة وكانت ذات جوهر وطني ديمقراطي شعبي رافعة الشّعارات التّالية: _النّضال من أجل ثقافة وطنيّة وتعليم ديمقراطي وجامعة شعبيّة. _الحركة الطلّابيّة جزء لا يتجزّأ من الحركة الشعبيّة. _النّضال ضدّ الإمبرياليّة ومساندة حركات التحرّر الوطني في العالم.
ويذكر أنّ هذه الحركة جاءت كردّة فعل على الإنقلاب الذي قامت به السلطة في مؤتمر قربة سنة 1971 وفرضها لقيادة موالية لها…علما وأنّه في ذلك المؤتمر تكوّنت أغلبيّة من المؤتمرين تشكّلت من يساريين وقوميّين ودستوريّين غاضبين ينتمون لشق أحمد المستيري واستطاعت هذه الأغلبيّة أن تفرض بشكل ديمقراطي لوائح تدعو لإستقلال المنظّمة عن الحزب الدّستوري الحاكم. وكان ردّ الأقليّة الدستوريّة بمساعدة السلطة قيامها بالإنقلاب على المؤتمر بالقوّة.
وبعد قمع حركة فيفري وإفشال المؤتمر قامت السلطة بملاحقة زعمائها ومحاكمتهم وسجنهم. وقرّر مجلس الوزراء يوم الثلاثاء 8 فيفري إغـلاق كلية الآداب والعـلوم الإنسانية التي كانت تضمّ 3200 طالبا، وإغلاق كلية الحقوق والعـلوم الاقتصادية التي تضمّ 1867 طالبا، عـلما وأنّ العـدد الجملي للطلبة التونسيين يساوي آنذاك: 11489 طالبا. وتدخل في نفس اليوم وزير التربية القومية آنذاك محمد مزالي في مجلس النوّاب، وكان مما قاله حول التحركات الطلابية : إنّ هؤلاء (ويقصد من قاد التحركات) لا همّ لهم إلا القضاء عـلى جميع ما لهذه البلاد من مكاسب ومن قيم دينيّة وروحيّة، كما أضاف قائلا: إنّ هـذه الأحداث تبيّن بوضوح أنّ أغـلبيّة الطلبة ليسوا مكونين تكوينا تونسيا، وفي إطار نفس هـذه الحملة المسعـورة، انعـقد تجمع حاشد، يوم الجمعة 11 فيفري 1972 بقصر الرياضة بالمنزه، حيث تناول الكلمة الوزير الأوّل آنذاك الهادي نويرة، الذي ذكّر الحضور بالشعارات التي رفعها الطلبة، وهي كما يقول هو: لا ديمقراطية إلا للطبقة الكادحة ــ الوحدة القومية خزعـبلة بورجوازية ــ الجامعة ليست معـملا لتخريج إطارات الدولة ــ بعـتم تونس بالدّقيق. ثم أضاف قائلا: وتوجد شعارات أخرى يخجل الإنسان عـند قراءتها، والمؤسف أنّها تتردد في مواطن مكتظة بالفتيات، …. مثل “حريّة الصالات الجنسية”، أي حريّة الغـريزة والإباحيّة والشّهوة الحيوانيّة.وفي نفس هذا الاجتماع تدخل الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغـل الذي قال هو الآخر: وكما أنّ الصيني في وطنه ماويست والروسي في بلده لينينيست والكوبي كاستريست فنحن في تونس بورقيبيست.
شخصيّا تابعت هذه الأحداث من خلال ما رواه لنا أخي د.نورالدّين الذي كان من ضمن المشاركين في هذه الحركة صحبة مجموعة من أصدقائه أذكر منهم الأستاذ والسياسي عبدالرّؤوف العيّادي الذي كان يزورنا بالمنزل وحدّثنا كثيرا عن هذه الحركة وأدبيّاتها. ولمّا قدمت إلى تونس في سنة 1976 إنخرطت في الحراك الطلّابي الذي كان ينشط تحت لواء الهياكل النّقابيّة المؤقّتة بقيادة الأستاذ والحقوقي الرّاحل الفاضل الغدامسي وأذكر أنّ أوّل إجتماع عام حضرته بالمركّب الجامعي كان برئاسته وكان إحتفالا بذكرى حركة فيفري المجيدة. ثمّ توالت الإجتماعات العامة وحلقات النّقاش في رحاب الجامعة وإكتشفت فيها خطباء كثيرون لهم ثقافة واسعة ودراية بالفكر الماركسي اللّيليني ويحفظون عن ظهر قلب بعض الأجزاء من مقولات روّاد هذا الفكر …
ولن أنسى مدى حييت تلك المشاهد التي كانت تجمعنا بنجوم هذه الحلقات أمثال الأستاذ المحامي محمّد الهادفي والدكتور حمّادي الرديسي وهما يتجدلان حول بعض المفاهيم النظريّة وكميّة الإستشهادات والمقولات التي تتردّد على لسانيهما وفي بعض الأحيان يذكران عنوان الكتاب ورقم الصّفحة… وانا أتابعهما يتناقشان بتلك الطّريقة تذكّرت الفيلم الرّائع فهرنايت451 الذي أنجزه سنة 1966أحد ألمع رموز الموجة الجديدة في السّينما الفرنسيّة،إن لم يكن هو رائدها على الإطلاق،وهو فرانسوا تريفو. ويحكي الفيلم عن دولة كليانيّة تعتبر الكتاب وتراث الإنسانيّة بمثابة وباء يجب التخلّص منه،وتقوم فرق الإطفاء بملاحقة الكتب أينما تكون وحرقها وحرق المنازل التي توجد فيها،وأحيانا حتى حرق أصحابها وعدّهم أعداء وخطرا على المجتمع وينتهي الفيلم في مشهد رائع في غابة يعرّف الموجودين فيها بعناوين الكتب التي كانوا يحفظونها عن ظهر قلب .
التعليقات مغلقة.