قررت اللّجنة التونسية للتحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي ،إحالة التصاريح بالشبهة المتعلقة بجمعية الاغاثة الاسلامية مكتب تونس ، إلى السيد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس ليقرر في شأنها ما يراه.
و أوضحت اللجنة في تقريرلها ، أنه استنادا للتحريات والتحاليل التي قام بها تبيّن وجود قرائن قوية و متضافرة على أنّ الحسابات البنكية لجمعية الإغاثة الاسلامية مكتب تونس قد تمّ استغلالها في أنشطة غير تلك المصرّح بها ، وهو ما اعتبرته خرقا لأحكام الفصل 37 من مرسوم الجمعيات عدد 88 لسنة 2011 .
و أكّد نفس التقرير أنّ حركة الحسابات الشخصية لكل من عبد المنعم الدائمي و شقيقه منير الدائمي ،شقيقا النائب عماد الدايمي ، قد اتسمّت بأهمية التمويلات الخارجية كمصدر أساسي لتغذيتها.
تمويلات اجنبية
في إطار التحري حول مصدر الأموال الواردة أنّ تغذية حساب جمعية “الاغاثة الاسلامية “منذ فتحه قد ارتكزت على قبول تحويلات من الخارج صدرت أساسا عن حساب المنظمة الأم “الإغاثة الاسلامية عبر العالم” المتواجد مقرها بالمملكة المتحدة و ذلك بنسبة 85% و هو ما يمثّل 7,5 مليون دينار، اضافة الى شركة أجنبية متواجدة بالمملكة المتحدة متخصصة في تقديم خدمات الدفع بالعملات المحلية للدول المرسل إليها الاموال مما يرجّح ، حسب التقرير ، أن تكون هذه التحويلات قد صدرت عن أشخاص طبعيين او معنويين متواجدين ببريطانيا و قد تعمّدوا عنونة أوامر التحويلات المراد ارسالها إلى فرع المنظمة بتونس بالدينار التونسي عوضا عن الجنيه الاسترليني و تمت الاستعانة بخدمات هذه الشركة المتخصصة في هذا النوع من التحويلات و التي تجعلها تبرز كالآمر بالدفع عوضا عن هؤلاء الاشخاص الذين يرجّح انهم فضلوا عدم الافصاح عن هويتهم و التخفي لسبب مجهول مع التذكير أن هذه التحويلات قد تعلّقت بمبالغ تعتبر هامة نسبيا بمجموع فاق 4,5 مليون دينار تعلّق بمبالغ تراوحت بين 609 130 و 183 354 1 دينار.
تحويلات مشبوهة
و حول مآل الأموال الواردة على الحساب المفتوح لدى احد البنوك فقد اتضح من كشف الحساب المتوفّر لدى اللجنة المالية في نسخته الورقية و المتعلّق بالفترة بين 13/03/2015 و 01/02/2016 أنّه قد تمّ استغلالها في خلاص صكوك و في تحويلها لفائدة عدة مستفيدين، ووفقا للبيانات المتوفرة حول بعض المستفيدين من العمليات المالية المنجزة انطلاقا من حساب الجمعية موضوع الدرس فيرجّح أنّها مرتبطة بنشاط الجمعية حيث تعلّقت بخلاص شركات بيع مواد غذائية و حلويات و أجهزة إعلامية و أثاث مكتبي و ألعاب غير أنه تمّ الوقوف بين ثنايا هذه العمليات على مجموعة من العمليات المالية التي تبدو مسترابة إذ تم تسجيل عدد هام من التحويلات التي استفادت منها وكالات أسفار مقرها بالجنوب التونسي، اضافة الى مجموعة من التحويلات لفائدة شركة تعلّقت بمبالغ هامة مقارنة بطبيعة نشاط هذه الشركة ، و التي بلغ مجملها في فترة وجيزة 6147 دينار، ليتضح وفقا لبحث أجري على موقع السجل التجاري أنّه يتمثّل في تجارة الوقود بالتفصيل بمدنين بالإضافة إلى نشاط ثانوي يتمثّل في “مشرب و أكلة خفيفة” .
و في إطار البحث عن المبررات المحتملة لهذه العمليات المالية ، اتضح من كشف الحساب أنّ الجمعية قامت خلال الفترة بين 25 جوان و 21 سبتمبر 2015 ، بإصدار مجموعة من التحويلات لفائدة شركتين متخصصتين في كراء السيارات و قد فاق مجموع هذه التحويلات 20 ألف دينار في فترة لم تتجاوز الثلاثة أشهر، هذا و يشار إلى أنّه على الرغم من أنّ هذه التحويلات غير متزامنة و تلك التي انتفعت بها محطة بيع البنزين غير أنه يرجّح أنها تندرج ضمن عمليات خلاص لاحق لفواتير بمبالغ جد مرتفعة ، مما يعكس أهمية عدد السيارات التي تمّ تزويدها بالبنزين بالإضافة إلى أهمية المسافات التي تمّ قطعها .
و في سياق متّصل ، فقد سجّل الحساب عدة تحويلات و عمليات خلاص صكوك لفائدة مجموعة من الفنادق يتواجد أغلبها بالجنوب التونسي وهي فنادق ذات نوعية متدنية من فئة 2 و 3 نجوم فاق مجموعها 50 ألف دينار خلال فترة لم تتجاوز الستة أشهر مما يستدعي التعمق في البحث عن المنتفعين من هذه الحجوزات و مدى ارتباطهم بالجمعية و نشاطها .
تورّط الشقيقين الدايمي
ولفت التقرير الى أن شقيق عماد الدايمي ، منير الدايمي تلقى عددا من التحويلات على حسابه صادرة عن جمعية الاغاثة الاسلامية ، فيما تلقى والد الدايمي تحويلات من حساب ابنه المقيم بقطر تقدر بما يقارب 300 الف دينار . ووفق نفس المصدر فإن عبد المنعم الدايمي تلقى على حسابه هو وزوجته وهي اطار بجمعية قطر الخيرية 34 تحويلا بقيمة جملية تقدر بـ681.449 دينار من تحويلات مصدرها الأساسي بريطانيا وقطر والولايات المتحدة الامريكية خلال الفترة الممتدة من 2014 الى سنة 2017.
و تمّ تعيين عبد المنعم الدايمي من قبل المسؤولين بمنظمة الإغاثة الاسلامية عبر العالم كمدير لمكتب تونس لفترة محددة امتدت من 28 ماي 2014 إلى غاية 28 ماي 2015 ، الا انه تواصل تلقي مبالغ هامة من المملكة المتّحدة خلال سنة 2016 و بداية 2017على أنها راتبه مقابل إدارته فرع المنظمة بتونس
كما تلقى الدايمي تحويلات دورية من ” جمعية قطر الخيرية” تراوحت قيمتها بين 1696.134 و 807,234 1 دينار يرجّح أنّها تمثّل رواتب زوجته هاجر عبد الواحد باعتبارها أحد إطارات هذه الجمعية.
و خلصت اللجنة التونسية للتحاليل المالية الى ان عددا من العمليات المالية المسجلة بالحسابات البنكية لجمعية “الإغاثة الاسلامية – مكتب تونس” تعتبر مشبوهة و يرجّح أنّها لا ترتبط بنشاط الجمعية المصرّح به .
علاقة الجمعية بالارهاب
أشارت اللجنة في تقريرها أنّ المبالغ المشبوهة قد تبدو محدودة مقارنة بالمبلغ الجملي المعاين بحسابات الجمعية المثارة ، إلا أنّه يذكّر في هذا الجانب أنّ جميع الدراسات التي تمّ إنجازها حول تمويل الإرهاب و التسفير إلى بؤر التوتر أثبتت محدودية المبالغ التي تمّ اعتمادها في مثل هذه العمليات و هو ما تمّ اعتباره كأحد عوامل انتشار هذه الظاهرة و في نفس الوقت أحد أهم العوامل المفسرة لصعوبة السيطرة عليها و تحديد المتسببين بها.
و اضافت أنّ هذه العمليات المسترابة التي تمّ التطرق إليها تكتسي خطورة أكبر ما إذا تمّ دعمها بالعنصر الجغرافي ألا وهو الجنوب التونسي (مكان تواجد مقر الجمعية) الذي من بين العناصر المميزة له قربه من القطر الليبي الذي يشكو من انفلات أمني و تناحر مسلّح بين جميع الطوائف به (و التي من بينها داعش) مما يزيد من حجم التهديدات الارهابية التي يمثّلها.
و ارتكزت موارد الجمعية على التمويل الأجنبي و تتميز إدارتها بتركيز أشخاص أجانب و أشخاص سياسيين ممثلي المخاطر المدعو عبد المنعم الدائمي ، شقيق عماد الدائمي في مراكز اتخاذ القرار و هي عوامل مرفّعة لمخاطر استغلال حسابات الجمعية في أنشطة غير تلك المصرّح بها.
كما ان تعدد المتصرّفين بحسابات الجمعية و استغلال أشخاص يبدو أنّهم غير نافذين بها على غرار المكلّف “بمراقبة النقل بالجمعية” ما قد يعكس رغبة مسيّري هذه الجمعية و الذين كما تمّت الإشارة إليهم كانوا في أغلبهم من ذوي الجنسية الأجنبية ، إلى تنفيذ برامجهم وعملياتهم المالية بتوقيعات راجعة إلى منظوريهم قصد التخفي و درء الشبهات عنهم.
وفاء دعاسة
التعليقات مغلقة.