ما بعد حوار قيس سعيد بعد 99 يوم من توليه الحكم
حلقة وصل _ حافظ النيفر
لم يغير حوار الرئيس قيس سعيد شيئا في تشرذم التونسيين: أنصار الرئيس انتفخت اوداجهم زهوا بصدقه وصرامته في تخوين التعامل مع إسرائيل وفي تجنبه الخوض في بعض الملفات التي يكاد يصفها بالكيدية المشحونة أيديولوجيا وينأى بنفسه عن التجاذبات الحزبية، بينما ازداد معارضوه يقينا في صحة موقفهم منه مستندين إلى كلامه الطوباوي غير المفهوم من عموم الشعب، وتكلفه التحدث بالعربية دون طلاقة لسان، وغياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة في التعامل مع القضايا الدولية الحارقة ومعالجة المشاكل المحلية العالقة. يحسب للرئيس قيس سعيد صدقه ومشاعره العاطفية الجياشة تجاه فئات عديدة من الشعب التونسي مستضعفة، وهذا الخطاب – مهما كانت دوافعه – يجد رواجا كبيرا في نفوس الناس، فيقدرونه ويتعلقون بصاحبه.
لكن في المقابل بدا الرئيس ضعيفا في تبرير ضعف الحضور الديبلوماسي التونسي، وهو الملف الماسك به كليا بحسب الدستور. تبريره لتخلفه عن حضور قمة دافوس غريب جدا، هل يعقل أن يبرر ذلك بانشغاله بتشكيل الحكومة؟ وهو نفس التبرير الواهي الذي قدمه بخصوص تغيبه عن حفل تنصيب الرئيس الجزائري المنتخب. هل الرئيس الآن بصدد ترؤس مجلس حرب لصد عدوان غاشم فلا يستطيع السفر لحضور قمة اقتصادية على غاية من الأهمية؟ هل نحن في القرن التاسع عشر إذا ما سافر ملك إلى بلد آخر انقطعت اخباره عن شعبه وتوقف تواصله مع حاشيته إلى أن يهلّ ركبه من جديد عائدا مظفرا إلى مملكته؟ ألا يبقى الرئيس في تواصل لحظة بلحظة بكل اعضاده ومعاونيه حتى وهو في الجو محلقا في طائرة الرئاسة؟ فكيف يمكن أن تشغله متابعته لتشكيل الحكومة عن حضور لقاءات دولية هامة جدا وتعتبر من صميم صلاحياته الدستورية!؟ حديثه أيضا عن مشروع المدينة الطبية بالقيروان اوقعه في خطأ اتصالي رهيب.
كيف يسوّق للعالم – وهو رئيس دولة- أن المستثمرين يشترطون وضع المال تحت تصرف رئاسة الجمهورية دون غيرها ؟ هذه مغالطة رهيبة . الاعتمادات المرصودة لإنشاء مشاريع استثمارية تنموية تخضع لنفس الضوابط الإدارية من حيث الرقابة والمتابعة والاحتكام لتراتيب المنافسة، سواء كانت تحت تصرف رئاسة الجمهورية أو تصرف أي وزارة أو مؤسسة عمومية أو مجلس جهوي أو جماعة محلية، كما أن مراقبي الدولة هم أنفسهم سواء كلفهم رئيس الجمهورية أو أي هيئة إدارية أخرى… قد تكون المشاكل عالقة في التصرف اللاحق في المنشآت الصحية بعد إنشائها وفي ضمان نجاعة الخدمات التي تسديها للمواطنين من حيث الجودة والكلفة، ولذلك فتأكيده أن المستثمرين يشترطون وضع الاموال تحت تصرف الرئاسة فيه تسويق لصورة قاتمة للوضع بتونس وأن الدولة بادارتها ووزرائها سراق!!!
لم يرتق الحوار لمستوى عال من التحليل السياسي وغابت عنه الأسئلة المهمة بسبب ضعف الصحفيين المحاورين، من قبيل الحديث عن تغييب المحكمة الدستورية وعن مصير قانون تعديل المجلة الانتخابية والذي استوفى صيغ اصداره حسب الدستور وبقي ينتظر ختم رئيس الدولة الذي دخل في غيبوبة مرض الموت وتوفاه الله بعد ذلك رحمه الله. لم نسمع تحليلا واضحا لتصور تونس لكيفية التعامل مع الأزمة الليبية ولا لكيفية بناء تحالف مغاربي قوي في زمن تتوحد فيه القوى الإقليمية لتكون أكثر قوة وتاثيرا في محيطها …
لم نسمع تحليلا لكيفية إنشاء امتداد تونسي في إفريقيا، خاصة وأن التاريخ يبين لنا أن قرطاج كانت أول من نظم حملة اقتصادية إلى ادغال أفريقيا والتي تعرف بحملة ماغون. لم نسمع موقفا واضحا من الرئيس بخصوص ملف المصالحة الوطنية الشاملة وكيفية العمل لاذابة الأحقاد والضغائن الملتهبة في صدور فئات من التونسيين تجاه تونسيين آخرين وهو الاعلم من غيره بحكم اختصاصه في القانون الدستوري أن غياب الرابطة المعنوية المؤلفة لقلوب الشعب نحو الوطن يتسبب في انهيار الدولة وفي فشل كل البرامج الإصلاحية مهما كانت عبقريتها. كنا ونحن نشاهد الحوار يخيل إلينا اننا نحضر جلسة استنطاق بوليسي وليس جلسة استماع لشرح برامج وتصورات رئيس الجمهورية.
التعليقات مغلقة.