أحزاب الكوكوت مينوت..
بقلم : رشيد الكرّاي
الأحزاب السياسية النابتة في جغرافية وتاريخ هذا الوطن، تأكل الملايين سنويا من خزينة الدولة أي من أموالنا نحن الذين ندفع الضرائب من كل جهة.
و ينصّ الدستورعلى أن هذه الأحزاب يجب أن تلعب دورا أساسيا في تأطير المواطنين. لكن الواقع غير ذلك ، ولم تعد قط هذه الأحزاب تفتح شهية أحد للانتماء إليها إلا الرؤوس التي تبحث عن غطاء سياسي تحتمي به عند الضرورة . ولنا فضائح كثيرة في هذا الجانب زادت من تكريسه الانتخابات التشريعية الأخيرة ، التي جاءت لمجلس نوّاب الشعب بأباطرة في الإرهاب والتهريب والمخدرات وشتّى أنواع الفساد ، حتى أن مفهوم “المناضل” أصبح الآن شبه “شتيمة” أو هو كذلك ، وإن أردت أن تسبّ أحدا فقل له : “اذهب إلى الجحيم أيها المناضل الملتزم…” أحزاب مصابة بمرض عضال لا يرجى منه علاج.
لنتابع المشهد، ونبدأ بما يسمى بـ”الأحزاب التقليدية” أو الأحزاب الحداثية الديمقراطية ، التي كانت بالأمس يضرب لها ألف حساب في أي معادلة : نداء تونس في عهد الوريث الديمقراطي السبسي الابن ، أصبح لوحة كاريكاتورية ساخرة ، تماما كما هو الشأن مع المؤتمر من أجل الجمهورية وحوانيته الكثيرة المتفرّعة عنه ، وهو في ذلك لا يبتعد كثيرا عن التكتل من أجل العمل والحريات الذي ذهب في خبر كان رغم وزن رئيسه المؤسس مصطفى بن جعفر.
المفارقة أن هذه الأحزاب الثلاثة اندثرت وتشظّت وتفرقعت لنفس الأسباب : قربها من الإخوان ممثّلين في حركة النهضة مع أنّ أديباتها ومرجعيّاتها الفكرية والإيديولوجية تبتعد بسنوات ضوئية عن فكر الإخوان ومنظّريه وعن شكل المجتمع والدولة التي يريد الإخوان إرساءهما.
إنّها لعنة الحكم والشعور الزائف بالسير في طريق الصواب ، في حين وواقع الأمر ، هو الجهل وهم دوما الخاسرون مهما طال الزمن ، لا يقبل أبداً بأن يكون مجرد شريك بل يُصر على أن يتوج نفسه إلاهً معبودا للأبد من قبل هؤلاء اللاهثين نحو النجاح الزائف والانتصار السريع، ودائما يترصّد الأرواح الثّمينة
وتأملّوا معي مصير ذلك الحزب “الوطني الحر” لصاحبه سليم الرياحي والذي تأكد أنّه مجرد “بنك” به مجموعة تدير أموالها وتستثمر في السياسة ، فتنجح في الأولى وتفلس في الثانية بنفس السرعة التي جاءت بها إلى عالم السياسة
كم هي مؤلمة نتائج الانتخابات وآليات إدارتها حتى يُقال إن أحزاب اليسار في طور الانقراض تماما كما الديناصورات ، اليسار الذي بهناته وعيوبه وتحجّر طروحاته والزعامة المرضية لرموزه ، شكّل دائما وعبر نضاله الطويل ضد الاستعمار والاستبداد ، ضميرا للشعب وللطبقات الكادحة والمفقّرة ، والصوت العالي ضد كل الخروقات والتجاوزات التي تأتيها السلطة أيّا كانت.
والحقيقة أنّ هذه الانتخابات لم تختلف جوهريا عن سابقاتها من حيث نوعية المشاركين والناجحين فيها ، فحركة النهضة الإسلامية وحلفاؤها المعلنين والمتخفّين ، مازالت سيدة الموقف والفاسدون والدخلاء على العمل السياسي هم أبرز الوجوه حتى اللحظة .
لكن الجديد في الموضوع “نجاح” قائمات ما يسمّى بائتلاف الكرامة في الدخول إلى البرلمان وإعلانه عزمه قيادة البلد أو المشاركة فيها ، وبذلك يؤكد نظام الحكم في تونس الذي تمسك بتلابيبه حركة النهضة ، أن القانون هو آخر ما يمكن احترامه والتعامل به ، وأنّه لو طبّق القانون لما كان لعصابات ائتلاف الكرامة أو حزب “الرحمة” أن يفكّروا حتى مجرد تفكير في الترشح للمجلس التشريعي.
للأسف حتى اللحظة يتبيّن أن ملامح المرحلة القادمة تنذر بالسوء وستقام في تونس دولة داخل الدولة يتحكّم فيها الفاسدون ودعاة العنف والكراهية والفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
وستقضي التحالفات القادمة على آمال كثير من التونسيين كانوا يأملون بمرحلة جديدة خالية من الإرهاب والفساد والفقر والمهوسين بمسألة الهويّة ، كما ستقضي على حياة أي حزب يُصنّف في خانة الحداثة والديمقراطية يضع يده في أيادي إخوان النهضة كما حصل مع المأسوف على شبابه” نداء تونس”.
إذن هذا هو الوضع السياسي وهذه أحزابنا التي أصبحت كلها أو تكاد ، كما يقول أحد المفكّرين أحزاب كوكوت مينوت وفاست فوت
التعليقات مغلقة.