الاقصاء عنوان المشهد الثقافي التونسي
بقلم : وداد الحبيب
الحديث عن المشهد الثّقافي التونسي شائك جدا ذلك أنّ الجميع ينقد المشهد الثقافي و يرى فيه عديد النقائص والإشكاليات وعديد التجاوزات و هو في نفس الوقت نِتاج مُثقّفيه أوًلا ثمّ هو رؤية الدّولة لما عليه يجب أن تكون الثّقافة. وهذه الدولة ليست جسدا ماديّا بل إرادة وقرارات أفراد تتحوّل إلى قوّة وسلطة تهيمن بها على الآخرين ، و هنا يكمن الإشكال الحقيقي.
دعنا أولا نتّفق أن أيّ مجتمع لا يمكن أن يشهد صحوة اجتماعية، سياسيّة، اقتصاديّة إلا بالمرور وجوبا بصحوة فكريّة وثقافية في جميع المجالات ودعنا نعترف أيضا و صراحة أنّ مصيبتنا الأولى تكمن في مثقّفينا إلا ما رحم ربي لمن شُهد لهم بالرقيّ في التعامل ووضوح الرّؤى وحسن بلورة مشروعه الثقافيّ للمجتمع التونسي وللٱخر بصفة عامة ، لذلك فإنّه لا أحد يستطيع أن يقدّم الحلّ السّحري ذلك أنّ الأمر يستوجب أوّلا وقبل كلّ شيء ثورة فكريّة وأخلاقيّة لدى ” المثقّف ” نفسه إن لم نقل ” أشباه المثقفين ” ممّن غزوْا المشهد الثّقافي وسيطروا عليه. وما يزيد الأمور تعقيدا أنّ الإصلاح يستوجب وعيا جماعيّا ورغبة حقيقيّة في تغليب المصلحة العليا على الحسابات الضيّقة والمصالح الفرديّة فالأنانيّة والتمعّش والتعصّب وخاصة الإقصاء ، كلّ هذه العوامل قد قضت على المثقّف والمبدع التونسي الكثير.
وهنا أريد أن أسلّط الضّوء على ظاهرة الإقصاء في المشهد الثقافي التونسي الذي يرزح تحت وطأته العديد من المبدعين والمثقفين وأهل الفكر فهو إقصاء ايديولوجي ممنهج ، فكري ،سياسي مقيت يستحيل معه بناء ثقافة ناجعة حمّالة لمبادئ و رؤى مُستقبليّة فلا إبداع في ظلّ الولاء ولا إبداع في ظلّ القمع والإقصاء. والكلّ يعلم كيف توزّع الغنائم و الدعم والعضويّات وحتّى المناصب على حسب التوجّهات الايديولوجيّة بل حتّى الدّعوات العاديّة للأمسيات الأسبوعيّة لا تكون إلا إذا دخلت بيت الطاعة فكريا وأيضا جسديا لنتحدّث عن ” سرير الطّاعة ” والعديد من المبدعات تعرّضن لهذه المواقف المُخزية. وهنا أرفع رسالة مستعجلة إلى سيادة وزير الشؤون الثّقافية السيّد محمد زين العابدين لفتح ملفّ اتحاد الكتّاب التّونسيين وما يمارسه من إقصاء تجاه المثقّف التّونسي. هذا الاتّحاد الذي لا يمثّل إلا نفسه يمارس الإقصاء فيوافق على عضويّة من يشاء و يرفض من يشاء دون أيّ موضوعيّة حتى أنّه لا يوجّه رسالة يوضّح فيها قراره وأسباب رفضه للعضويّة وطبعا يمكننا أن نتساءل ماذا قدّم هذا الاتحاد للأديب التّونسي من نشر لكتبه وحضور في اللقاءات الأدبيّة العربيّة وغيرها ، وما هي الأسماء التي تشارك طبعا بتزكيةٍ من هذا أو ذاك ،في حين يقع إقصاء من لم يدخل بيت الطاعة. وحقيقة الأمر أنّ من يحمل مشروعا ثقافيا حقيقيا ويحمل همّ الثقافة لن يدخل بيت الطّاعة أبدا ولن يرضى إلا بالحريّة والاستقلالية لأنهما وقود الإبداع الحقيقي.
التعليقات مغلقة.