ممارسات عنصرية ضد الأفارقة تُقلق المجتمع التونسي
بقلم : هدى الطرابلسي
وفاة عامل من ساحل العاج جراء ظروف العمل السيئة والأوضاع الاجتماعية المتردية، فتح من جديد ملف المهاجرين الأفارقة في تونس، وما يتعرضون له من ممارسات عنصرية. إذ عثر مساء الأربعاء الماضي على العامل، وهو من مواليد عام 1976، جثة هامدة في إحدى القرى في منطقة السبالة في وسط تونس. وكان قد سُخر للعمل من دون إعلام أي جهة عن انتدابه، ومن دون الحصول على إقامة.
شعور بالمرارة
يقول سيسي كامرا، وهو عامل من الكوت ديفوار، إن العمال الأفارقة ضاقوا ذرعاً من هذه الممارسات ومن الظروف المهينة التي يعيشون فيها. وأضاف “نحن نسهم في الإنتاج في تونس، ونريد الخير لها، مثل التونسيين أنفسهم، لكننا نطلب من السلطات التونسية تسهيل إقامتنا فحسب، لنعيش بكرامة”.
في مقهى في وسط العاصمة تونس، تعمل فتاة سمراء طويلة، تلفت النظر بنظراتها الثاقبة الملأى بالخوف والحزن. تُشعرك بأنها حذرة من كل من يقترب منها، فهي لا تتحدث إلا إذا طُلب منها شيء أو طُرح عليها سؤال ما. إنها تانيا، سنغالية الجنسية وعمرها 33 عاماً، تغسل الكؤوس وتنظف الأرض وطاولات المقهى. لم توافق تانيا على الإجابة عن الأسئلة إلا خارج المقهى، لأنها لا تريد افتعال مشكلة مع صاحبه، ولا تريد خسارة عملها، وفق قولها.
تقول تانيا بلكنة فرنسية إنها حاولت أن تهاجر إلى إحدى الدول الأوروبية من تونس، إلا أنها لم تستطع، فاضطرت إلى البقاء في تونس منذ أربع سنوات. وتضيف أن ظروف العمل والمعيشة صعبة، خصوصاً في ظل صعوبة الحصول على الإقامة، وهذا ما يجعل إنجاز إجراءات البقاء مكلفاً.
أما عن الممارسات العنصرية، فتقول “تعرضت مرات عدة للاحتقار، لأنني سوداء البشرة ومن بلد أفريقي، فصارت علاقاتي مع أبناء البلد معدومة، وهذ ما يشعرني بالمرارة أحياناً”. لكن تانيا لا تخفي رضاها عن كثير من التونسيين، الذين يدافعون عنها ويحترمون وجودها، وتتابع “في السنوات الماضية لاحظت تزايد اهتمام الجمعيات الحقوقية بنا، وهو ما جعلني أكثر طمأنينة”.
اهتمام المجتمع المدني
من جهتها، أدانت الجمعية التونسية لمساندة الأقليات الممارسات العنصرية القائمة على انتهاك حقوق المهاجرين من أفريقيا، معتبرةً أن هذه الممارسات غير جديرة بتونس حقوق الإنسان والديمقراطية.
ودعت الجمعية الحكومة إلى ملاحقة المؤسسات التي تتورط في استغلال المهاجرين وإساءة معاملتهم وانتهاك حقوقهم المعنوية والجسدية، ووضع سياسة وطنية للهجرة تؤطر وضع الوافدين إلى تونس ضمن إطار قانوني واضح، وتحت إشراف مؤسسة رسمية موحدة تعنى بقضايا الهجرة.
تقول يمينة ثابت، رئيسة جمعية أقليات، إن “الحكومة التونسية بطيئة جداً في تشريع القوانين، التي تنظم حركة الهجرة إلى تونس”. أما عن الممارسات العنصرية التي يتعرض لها هؤلاء وذوو البشرة السوداء عموماً، في تونس، فتقول إن “النضال لسنوات من أجل تجريم العنصرية لم يذهب هباءً بعد المصادقة على قانون تجريم العنصرية، والأهم تفعيله بعد الحكم بالسجن خمسة أشهر، بالإضافة إلى غرامة مالية، ضد والدة تلميذة وجهت أوصافاً عنصرية إلى مدرّس ابنتها”. وتضيف ثابت أن المسيرة ستتواصل من أجل حفظ حقوق المهاجرين الأفارقة في تونس.
وتعتبر تونس الدولة العربية الأولى التي تسن قانوناً يجرم العنصرية. ويقصد بالتمييز العنصري، وفق هذا القانون، “كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو النسب أو غيرِه من أشكال التمييز”.
القانون غير كافٍ
يرى نوفل الجمالي، رئيس لجنة الحقوق والحريات السابق في مجلس الشعب التونسي، الذي أسهم في مناقشة القانون وإقراره، أن “القانون مهم، لكنه ليس كافياً”. ويعتقد أن هذا القانون يجب أن يلد ديناميكية حقيقية تنعكس على النظامين التربوي والتعليمي في تونس، إذ إن “الكتب المدرسية التونسية لا تحتوي على أي صورة لشخص أسمر اللون”. كما “يجب أن لا نتجاهل انتماءنا الأفريقي، وهذا القانون يسهم في إخراجنا من مرحلة إنكار هويتنا”. وعن ظروف إقامة المهاجرين في تونس، يرى الجمالي أن على وزارة الداخلية وضع منظومة تتناسب مع القوانين، مفسّراً أنه آن الأوان ليكون الحصول على بطاقات الإقامة مستنداً إلى إجراءات واضحة، خصوصاً أن هذه الإجراءات المعقدة تنفر الطلاب الأجانب من الدراسة في تونس.
وتشير إحصاءات رسمية إلى أن عدد الطلاب الذين يأتون من الدول الأفريقية إلى تونس تراجع من 12 ألفاً عام 2010 إلى 4600 عام 2016، على الرغم من سعي الحكومة التونسية إلى رفع العدد في عام 2020 إلى 20 ألفاً.
حلول عاجلة
من جهتها، تقول جميلة الكسيكسي، النائب في البرلمانيين التونسي والأفريقي، إن تعقيدات إقامة الأفارقة في تونس ترتبط بسياسات الدولة. والكسيكسي التي وقفت على عدد من الملفات وعاينت الصعوبات الحقيقية التي يواجهها هؤلاء، تبين لها أنهم عالقون بين مجتمع يرفض وجودهم أو تأجيرهم مسكناً بعقد إيجار لتقديمه إلى السلطات، وبين إجراءات معقدة تجبرهم على دفع غرامات مالية تثقل كاهلهم.
وتؤكد الكسيكسي أن تونس بصدد تشكيل لجنة حكومية، تُمثل فيها كل الوزارات، لفتح هذا الملف وإيجاد حلول جذرية في أقرب وقت. وتضيف أن مسألة اللاجئين هي مسألة رئيسة في الاتحاد الأفريقي هذه السنة، كما ستُعقد جلسة لمجلس الشعب التونسي في حضور لجنة من البرلمان الأفريقي لدراسة أوضاع اللاجئين.
رفض شعبي
في السياق نفسه، أصدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولیة الأميركي تقريراً يرصد فيه ظاهرة الھجرة من أفريقيا نحو بلدان المغرب، وقدر عدد الوافدين إلى تونس بـ60 ألفاً.
وعلى الرغم من أن عدد المھاجرين من منطقة أفريقيا، جنوب الصحراء، إلى تونس يُعد الأقل، أشار التقرير إلى أن عددهم تضاعف في تونس بين عامي 2004 و2014. ويأتي ھؤلاء أساساً من مالي والكاميرون وساحل العاج والنيجر والسنغال، وغالبيتهم تصل إلى تونس في شكل غير قانوني.
وكانت تونس شهدت، في المدة الماضية، حوادث تتسم بطابع عنصري لقيت رفضاً شعبياً من خلال تنظيم مسيرات احتجاجية، ومن بينها وفاة رئيس جالية ساحل العاج في تونس قبل أشهر عدة.
المصدر: إندبندنت عربية
التعليقات مغلقة.