دشرة : فيلم ليس أكثر
بقلم : حنان عباسي
مشاهدة هذا الفيلم للمرة الرابعة لم يكن من باب الإعجاب و لا الفضول ، بل كان للبحث أكثر في سبب إقبال الجمهور التونسي عليه أينما حلّ ركبه و من ثم تسجيل آرائهم بعد مغادرة القاعات .لنبدأ بالآعتراف أن “دشرة” آكتسح الساحة السينمائية منذ إطلاقه مسجلا لليوم ما يفوق 200.000 مشاهد و يفوز بالتالي بجائزة الجمهور كأفضل فيلم تونسي لسنة 2019- التي لازلنا في ثلاثيتها الأولى – حسب نتائج تصويت قام به الموقع التونسي celebrety. Tn و شمل الآثنتي عشر فيلما تونسيا التي عُرضت في القاعات سنتي 2018 و 2019.
و بقدر ما يبدو هذا آنتصارا لسمعة السينما التونسية بإعادة ربط أواصر الود مع جمهور عزف عن مشاهدتها منذ سنوات رغم النجاح النسبي لعدد قليل من الأفلام في آستمالته و التقرب منه بمواضيع مختلفة و أساليب جديدة ، فإن ردود فعل الجمهور داخل القاعات و تعليقاته خارجها لم تكن توحي دائما بذاك الرضا المطلوب كحدٍّ أدنى للقول بأنه قد أعجبه . و لنقل أن المرات التي ضحك فيها كانت أكثر من التي آستشعر فيها خوفا ، بل أن الجملة التي تكرر سماعها بعد الخروج و بعد كل مشاهدة هي ” ما يخوّفش حتى طرف”. لقد آمتلك المخرج كل مقومات فيلم رعب ناجح ، -و لا نتحدث هنا عن الإمكانيات المادية لأنه كان من الواضح توفر ميزانية متواضعة لإنتاجه- و نبدؤها بالفكرة و التي كانت تدور حول الشعوذة و السحر و هذا إطار يسع أفكارا كثيرة يبدو أنها تزاحمت في رأسه حتى آنفجر بها عشوائية و بلا تنظيم، و هذا بدا جليا في عملية الآنتقال الغير مفهومة أحيانا من مشهد إلى آخر.
و نذهب بعد ذلك إلى مواقع التصوير خاصة منها الطبيعية و التي لم يبدو أنه آستغلها كل الاستغلال رغم ما ميزها من أجواء مرعبة ، ثم زمرة الممثلين الذي آمتلك معظهم حضورا متميزا و لافتا . لكن للأسف خرج علينا عبد الحميد بوشناق بفيلم ليس أكثر ، تناثرت فيه المشاهد أحيانا بلا رابط منطقي بينها و أحيانا أخرى بلا معنى . و رغم المدة الزمنية التي بلغت قرابة الساعتين فمشاهد الرعب لم تبلغ من الفيلم إلا ثلثه تقريبا أما الأجزاء المتبقية منه فكانت مراوحة بين الكوميدي – و لا نقصد طبعا و كوميديا سوداء- و بين الدرامي . إلى أن نبلغ نهاية القصة حين يبرز جانب الرهبة في أحداث تسارعت لم تعط فرصة للجمهور حتى يهضم ما قد سبق من تطورات ، فشخصية “المرأة بالأسود” و التي على ما يبدو أن المخرج استلهم وجودها من الفيلم الأمريكي ” la dame en noir” لمخرجه البريطاني James Watkinsلم تبدو بذات الأهمية التي قدّرها لنا في أحلام بطلته بل و آكتشفنا وجود وحش بشري لم يشغل من الحكاية سوى بعض لحظات رغم الأثير المباشر و العميق لهاتين الشخصيتين في مجريات الأحداث ، و ليت السيد بوشناق وزّع الأدوار بتوازن أكبر فقد حمّل بطلة فيلمه أكثر من طاقتها التمثيلية و التي كانت باردة الملامح باهتة الحضور ، بصوت أشبه بالمواء المبحوح أحيانا و بوجه لا تتطابق تفاصيله مع الأحاسيس التي كان من المفروض أن تُبرزها .
و بالمُقابل لم يستفد من طاقات هائلة لكل من الممثل الفذ البحري الرحالي ، صاحب الشخصية المركبة الهادي الماجري ، الشاب العابث عزيز الجبالي و الممثلة المتميزة في دور ” منجية” هالة عياد و التي حبذا لو منحها مساحة أكبر لأهمية جملة من الممثلين الثانويين الذين نعتبرهم حسب تقديرنا كانوا أفضل أداء رغم ظهورهم المتواضع زمنيا والذي كان مؤثرا بتلقائية صادقة .
إن الدعاية ل”دشرة” على أنه أول فيلم رعب تونسي كان له الفضل الأكبر في هذا الإقبال ، تلك الدعاية التي تمكنت من فضول التونسي و جعلته يسرع لمشاهدة هذا المولود الخارق لعادات السينما التونسية .و لن نقول أننا خرجنا بخيبة أمل تجعلنا نعتقد لوهلة أن المخرج تسرّع لكسب فضل إصدار أول فيلم رعب تونسي، فحسب تصريحاته كان هذا حلما يسعى لتحقيقه منذ سنوات و خصص لإنجازه موارده الخاصة و جمّع فيه كل طاقاته الفنية و تجاربه –تلفزيا و سينيمائيا (افلام قصيرة) – ، و لكننا غادرنا في كل مرة نتساءل : لِم لمْ ينتظر قليلا ؟؟ لأن الفيلم كان كطبق لذيذ دغدغتنا رائحته الزكية و لكن لم يكتمل طبخه حتى نتناوله . و في آنتظار مشاريع أخرى لهذا المخرج الشاب نتمنى أن ينظر لكل هذه الآراء على أنها في سبيل صنع سينما تليق بجيل يبحث عن الإتقان ذاته الذي يشاهده في أفلام عربية و أجنبية و خاصة أن هذا البلد يزخر بمواهب قيمة و مميزة.
التعليقات مغلقة.