الأطفال في مناطق النزاع: طفولة تُسرق… وضمير عالمي يتأخّر
حلقة وصل- بقلم سمية دريدي
في السنوات الأخيرة، أصبح مشهد الحرب لا يكتمل دون صورة طفل يبكي، أو يحمل حقيبة مدرسية مغطّاة بالتراب، أو يركض بحثًا عن ملجأ يتيح له النجاة لدقائق إضافية في حياة لم يخترها. ورغم أنّ الأطفال ليسوا طرفًا في أي نزاع، فإنّهم اليوم أكثر الفئات التي تدفع الثمن الأكبر… وربّما الأبشع.
طفولة تحت النار
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ سنة 2024 سجّلت مستوى غير مسبوق من الانتهاكات ضد الأطفال، إذ تم توثيق 41,370 انتهاكًا جسيمًا في مناطق النزاع عبر العالم — وهو الرقم الأعلى منذ بدء الرصد قبل نحو ثلاثة عقود.
وخلال العام نفسه، تم قتل أو تشويه 11,967 طفلًا، أي ما يعادل العشرات من الأطفال كل يوم، ضحايا قذائف، قصف جوي، ألغام، أو إطلاق نار متكرر.
هذه الأرقام ليست مجرّد إحصائيات باردة… إنها أرواح صغيرة انطفأت قبل أن تُكمل أحلامها الأولى.
مدارس تتحوّل إلى ركام… ومستقبل يُدفن
الأطفال في مناطق النزاع لا يفقدون حياتهم فقط، بل يفقدون أيضًا حقهم الأساسي في التعليم. فقد ارتفع عدد الهجمات على المدارس بنسبة 44% في عام 2024، وفق تقارير الأمم المتحدة، ما جعل آلاف الأقسام تتحوّل إلى أطلال.
وفي غياب التعلّم، تصبح الطفولة مهدّدة بالفقر، والجهل، والاستغلال، وحتى التجنيد القسري.
تجنيد الأطفال… الجريمة التي لا تتوقّف
رغم القوانين الدولية، ما تزال الجماعات المسلحة تستدرج الصغار إلى ساحات القتال. ففي 2024 وحدها، تم تسجيل 7,402 طفلًا جُنّدوا أو استُخدموا في نزاعات مسلّحة — بعضهم بالكاد تجاوز العاشرة.
وفي سنة 2023، تخطّى العدد 8,655 طفلًا، ما يعكس استمرارية هذه الجريمة عبر السنوات رغم الإدانة الدولية الواسعة.
نفسية مكسورة… وجراح لا تُرى
خلف الجراح الظاهرة، هناك جراح أكبر: الخوف المزمن، الصدمات، الفقدان، وعدم الإحساس بالأمان.
الخبراء يؤكّدون أن الأطفال الذين يكبرون وسط القصف يعانون لاحقًا من اضطرابات القلق والاكتئاب، وفرط اليقظة، والكوابيس، بل وقد يفقدون الإحساس بمفهوم “الطفولة” نفسه.
العالم يتأخر… والأطفال لا ينتظرون
رغم جهود المنظمات الإنسانية، تبقى الاحتياجات أكبر بكثير من الإمكانيات. ملايين الأطفال اليوم بين نزوح، مرض، جوع، أو خطر دائم على حياتهم.
وفي تقرير صدر عن معهد دراسات السلام (PRIO)، يعيش 473 مليون طفل ضمن مسافة 50 كلم من مناطق نزاع — أي أكثر من طفل من بين كل ستة أطفال في العالم.
هل يمكن إنقاذ ما تبقّى من الطفولة؟
الحلّ ليس صعبًا نظريًا: وقف الحروب، حماية المدنيين، ضمان التعليم، محاسبة المنتهكين، وتطبيق القوانين الدولية. لكنّ الواقع يثبت أنّ الإرادة السياسية العالمية ما تزال ضعيفة أمام قوة السلاح.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا… فكل خطوة لحماية طفل، هي خطوة لحماية مستقبل العالم.
وكل صوت يكتب عن هذه المأساة، أو يطالب بوقفها، هو جزء من الحلّ لا من المشكلة.
التعليقات مغلقة.