مهرجان القاهرة السينمائي يأخذنا إلى عالم الدهشة: رحلة مبهرة داخل المتحف المصري الكبير
حلقة وصل _ من مراسلتنا في القاهرة ضحى السعفي
ضمن البرنامج الثقافي الذي قدّمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ46، حظيتُ بفرصة استثنائية قلّما تتكرر، تمثلت في زيارة المتحف المصري الكبير؛ ذلك الصرح العالمي الذي يُعد اليوم أكبر متحف للآثار في العالم، وبوابة واسعة تطل على جوهر حضارة لا تزال تدهش البشرية منذ آلاف السنين وبالمناسبة أتقدم بخالص الامتنان للنجم الكبير حسين فهمي، مدير دورة هذا العام، الذي استطاع برؤيته الراقية أن يجعل من رحلتنا إلى مصر تجربة تتجاوز حدود السينما. فبفضله انتقلنا من قاعات العرض إلى فضاءات التاريخ، حيث تتجاور الثقافة مع التراث، ويُعاد تشكيل الوعي بالجمال والحضارة في أبهى صورهما.
منذ اللحظة الأولى داخل المتحف المصري الكبير، يسري في الداخل شعور بأنك تعبر بوابة زمنية تعيدك إلى عصور مضت. فالمكان، بتصميمه المعماري الفريد، وإضاءته المدروسة، ومساحاته الواسعة، يقدّم تجربة غامرة تُشعر الزائر بأن كل قطعة أثرية تنطق بحكاية، وكل زاوية تستعيد معها فصلًا جديدًا من التاريخ. ولعل أبرز ما يميز هذا الصرح الفريد: مساحته الشاسعة التي تتجاوز 500 ألف متر مربع.
احتواؤه على أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي مختلف مراحل الحضارة المصرية القديمة. تقديم أول عرض كامل لمقتنيات الملك توت عنخ آمون منذ اكتشافها، في تجربة فريدة تُعرض لأول مرة بهذا الاتساع والدقة.
وقوف تمثال الملك رمسيس الثاني شامخًا في البهو العظيم، يستقبل الزوار بحضور مهيب يختصر قوة الإمبراطورية المصرية. قاعات متكاملة تستعرض أكثر من 5000 عام من الحضارة بأسلوب حديث يزاوج بين التقنية وروح التاريخ.
كانت هذه الزيارة أكثر من مجرد جولة ثقافية؛ كانت رحلة داخل الذاكرة البشرية، أكدت لي أن مصر لا تعرض تاريخها فحسب، بل تحافظ عليه وتقدمه للعالم برؤية معاصرة تجمع بين العلم والفن والإبداع. أما خارج أسوار المتحف، فتتجلى كنوز مصر الأخرى: نبض شوارعها، موسيقاها، حميمية ناسها، ومعمارها الذي يروي كل حجر فيه قصة.
ازدادت محبتي لهذا البلد الذي لا يُختزل في آثاره، بل في روحه الحية وقدرته الفريدة على إبهارك كل مرة وكأنها المرة الأولى. لقد ذكّرني المتحف المصري الكبير بأن الثقافة ليست حدثًا يُشاهد، بل تجربة تُعاش، ورحلة تعيد تشكيل الحس الجمالي والمعرفي للإنسان. أما القاهرة… فهي تظل المدينة التي تعرف تمامًا كيف تبهر زوارها، وتمنحهم لحظة دهشة لا تُنسى، وتترك في أرواحهم أثرًا يرافقهم أينما ذهبوا.
التعليقات مغلقة.