مقاطعة اسرائيل ثقافيا تتحول الى امتحان أخلاقي؟
حلقة وصل _فريق التحرير
يتسع يوماً بعد يوم، نطاق الدعوات الحاثّة على مقاطعة إسرائيل ثقافياً، بسبب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المتواصلة في قطاع غزة منذ “طوفان الأقصى”، الذي تقترب ذكراه الثانية، في السابع من الشهر الجاري.
لعل اتساع الدعوة للمقاطعة، الذي شهدته مناسبات عالمية كبرى، يترافق مع نقد مزودج، أوله ضد آلة الإرهاب الإسرائيلي، وثانيه ضد صمت بعض “الضمائر” في العالم ممن يمتهنون الفن، ويغمضون عيونهم، في الوقت نفسه، عن الإفناء الممنهج للبشر المعذبين في غزة.
في الرسالة المفتوحة التي أطلقها، أخيراً، تجمع “عاملون في مجال السينما من أجل فلسطين” والتي جمعت آلاف التوقيعات، بينهم نجما هوليوود خواكين فينيكس، وإيما ستون، تعهد الموقعون بمقاطعة أي مؤسسة إسرائيلية “متورطة في الإبادة الجماعية” في غزة.
غزة تشعل حفلة جوائز إيمي
وخلال توزيع جوائز إيمي الأخيرة، تحول الاحتفال إلى تظاهرة سياسية نادرة، إذ خصصت خطابات للحديث عن “معاناة غزة” أشعلت حماسة الكثيرين حول العالم، وبخاصة ما أدلى به النجمان، الإسباني خافيير بارديم، والأميركية هانا إينبيندر، في مشهد أعاد التذكير، كما أفاد مركز الإعلام الفلسطيني، بمواقف مماثلة شهدها مهرجان البندقية السينمائي مطلع الشهر الماضي، فضلاً عن إعلان فرقة “ماسيف أتاك” البريطانية انضمامها إلى حملة “لا موسيقى للإبادة”.
في غضون ذلك، أعلن منظمو مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن”، أنّ أعضاء المسابقة سيصوتون في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على مشاركة إسرائيل العام 2026. ففي حال مشاركتها، ستقاطع المسابقة كل من إسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا وآيسلندا وهولندا، فيما تدرس بلجيكا والسويد وفنلندا أن تحذو حذو تلك البلدان.
الضمير الأخلاقي للفنانين أمام اختبارات متوالية نجح في اجتياز أغلبها بكفاءة، مما وضع إسرائيل في مأزق الحصار والنبذ والإقصاء، لا سيما ترافُق ذلك كله مع إدانات لاذعة لدولة الاحتلال، كما فعل الممثل الإسباني خافيير بارديم الذي أكد رفضه التعاون مع أي شركة سينمائية أو تلفزيونية “تبرر الإبادة الجماعية في غزة”، داعياً، كما نقلت الأنباء، إلى فرض عقوبات تجارية ودبلوماسية على إسرائيل، هاتفاً: “فلسطين حرة”، وهو الشعار ذاته الذي رددته الممثلة الأميركية هانا إينبيندر، خلال الدورة الـ77 لجوائز “إيمي”، فيما حضرت مواطنتها الممثلة الكوميدية ميغان ستالتر حاملة حقيبة كُتب عليها “أوقفوا النار”.
مآثر هوليوود الأخلاقية
الجعبة الهوليودية مليئة بـ”المآثر الأخلاقية”، ومن بين تلك المآثر تلتمع، بإبهار، جوهرة هوليوود ناتالي بورتمان التي رفضت في أفريل 2018 تسلّم جائزة مقدارها مليون دولار، بسبب احتجاجها على المجازر الإسرائيلية، وتضامنها الواضح مع الفلسطينيين الذين سقطوا خلال تظاهرات “مسيرة العودة الكبرى” التي أوقعت أكثر من أربعين شهيداً، وأكثر من ثلاثة آلاف جريح، وذكّرت بـ”الفساد وعدم المساواة وسوء استغلال السلطة” من قبل حكومة بنيامين نتنياهو.
بورتمان قالت، بنبرة لا تخلو من حزم ووضوح، إنها ترفض فعالية تسلم الجائزة (Genesis Prize) التي تمنح سنوياً لشخصية يهودية معروفة في العالم، وتعتبر بمثابة “جائزة نوبل في العالم اليهودي”.
وبرغم الضغوط التي تعرضت لها الممثلة الأميركية من أصول يهودية والمولودة في القدس المحتلة، لثنيها عن قرارها، ومحاصرة أسبابها في رفض الجائزة، وتحجيمها، إلا أنها ظلت مصرةّ على السبب الرئيس لقرارها، والمتمثل في رفضها اضطهاد الفلسطينيين على يد الإسرائيليين وحكومتهم التي يقودها نتنياهو الذي كان مقرراً أن يلقي خطاباً في حفلة تسليم الجائزة.
نجمة هوليوود: تحول الضحايا إلى جلادين
وعبر حسابها على “إنستغرام” عقدت نجمة هوليوود، آنذاك، مقارنة عميقة لجهة تحوّل الضحايا إلى جلادين، فهي أشارت إلى أنّ “إسرائيل أقيمت قبل 70 عاماً على يد الناجين من الهولوكوست، لكنّ اضطهاد الذين يعانون من فظائع اليوم لا يتوافق مع قيمي اليهودية، وينبغي عليّ الوقوف في وجه العنف”.
ما يهمّ في موقف ناتالي بورتمان أنها اختارت المواجهة والتصادم مع أخلاقيات القطيع، وتحديداً في الولايات المتحدة، التي يهيمن عليها لوبي لئيم له أبواق دعاية قادرة على لجم أي أصوات منددة بإسرائيل ونظامها العنصري البغيض. كما أنّ في تفسير بورتمان إشارات عميقة تبدد مزاعم أولئك الذين يلوّنون جرائمهم ضد الفلسطينيين بصبغة دينية، أو بمزاعم “معاداة السامية”. فالقيم الدينية قبل أن تلوثها التفسيرات الانتقائية تحضّ على قيم الخير والعدل والمحبة، وهو ما يتعين ألا يغيب عن أي سجال يتصل بمفهوم الحق.
ولا نستطيع أن نحمّل نجمة “البجعة السوداء” التي حازت بسبب أدائها الخلاق فيه جائزة الأوسكار لأحسن ممثلة، أكثر مما يحتمل موقفها الإنساني النظيف الذي يتعاطف مع آلام الضحايا، فهي عبّرت عن لحظة صدق وانسجام تامّين مع الذات، وأطلقت صوتها في وجه العاصفة، من دون أن تكون مطالبة بتقديم مرافعة سياسية تبدو معها أنها تدعو إلى تقويض دولة إسرائيل، والاعتراف بفلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.
التعليقات مغلقة.