غزة : كارثة إنسانية أمام أنظار العالم
بقلم : د رفيق بوجدارية
“مرحبا بكم في رحاب الجحيم ” هكذا توجه مراسل إحدى الفضائيات إلى مشاهديه من داخل مستشفى المعمدان بعد قصفه، الجريمة التي ذهب ضحيتها أكثر من 500 شهيدا.
فالذي جرى داخل هذا المستشفى يمثل قمة للوحشية التي بلغتها آلة الدمار الصهي ونية و منتهى اللاإنسانية لحكومة إسرا ئ يل .
فبعد أكثر من أسبوعين من بداية الحرب على غزة إتضح أمران. أولهما أن الكيان الصهي وني يستهدف المدنيين متبعا في ذلك طرق الإبادة الجماعية و التطهير العرقي و هي جرائم حرب منصوص عليها في القوانين الدولية . و ثانيهما أن هاته الحرب ترمي ليس “لمعاقبة حم اس” فحسب بل لإفراغ غزة و دفع أهالي القطاع نحو الغرب أي نحو سيناء…
وزير الحرب الإسرائ يلي أعطى إشارة الإنطلاق بإعلان غلق قطاع غزة و قطع الماء و الكهرباء و الوقود و الغذاء عن سكانها .
الخطوة الثانية إنطلقت مع بداية الغارات التي أفرغت حممها على المنازل و الأبراج السكنية و العمارات و إستهدفت المخابز و المؤسسات الصحية و أماكن العبادة الإسلامية و المسيحية و تم التركيز على البنية التحتية و لم يسلم من الغارات ما تبقى من المقاهي التي توفر بعضا من الانترنات والمطاعم الشعبية في أسواق القطاع ..
الوضع الصحي في غزة أصبح كارثيا و هو على وشك الانهيار بعد خروج إثنى عشر مستشفى من مجموع عشرين عن الخدمة و تعطل العمل في 15 مركز صحي من مجموع ثلاثين. المستشفيات الباقية تعاني من كارثة صحية بفعل الحصار المضروب عليها . فمنعت قوات الإحت لال دخول المساعدات الطبية من أدوية و لوازم طبية و أغذية و أغطية و كذلك وقع إستنزاف كل الطواقم الطبية بل و سقط العشرات منها داخل المشافي أو في الطرق عند خروجهم لإسعاف الضحايا . فتمت دعوة الإطارات الصحية المتقاعدة إلى مباشرة العمل من جديد لمجابهة ما يتطلبه علاج أكثر من 14000 جريح داخل هذه المستشفيات .كما تم فتح باب التطوع أمام الراغبين في ذلك من داخل غزة و من خارجها و لكن أبواب العبور إلى القطاع أحكمت غلقها إسرائ يل..
عدد الجرحى تجاوز ألف جريح في اليوم و عدد الشهداء فاق الخمسة آلاف مما يدل على شهية الإحت لال المفتوحة للدماء و إمعانه في قتل الفلسطينيين مسلمين و مسيحيين في مجازر يومية شكلت جريمة مستشفى المعمدان ذروة التوحش فيها متجاوزة بها كل الخطوط الحمراء في الحروب ..فقتلت إسرائ يل في لحظة واحدة أزيد من 500 شهيد من عائلات بأسرها إحتمت بحرمة المستشفى .
إن أعداد المنازل التي هدمها العدو الصهي وني فوق ساكنتها كبيرة . الأطفال و النساء بلغت نسبة الشهادة بينهم 70 % من مجموع الشهداء زيادة على 1500 بلاغ عن مفقودين تحت الأنقاض نصفهم أطفال .
مستشفيات غزة تفتقد إلى الدواء و المستلزمات الطبية فالعمليات الجراحية تقام بدون بنج و تخدير و بدون ضمادات للجروح .
و إذا كانت طاقة إستيعاب المشافي تجاوزت 150% نتيجة توافد الجرحى فإن المستشفيات تأوي أيضا المدنيين الفارين من القنا بل و الذين دمرت منازلهم و لم يبقى لهم شيء لكنهم رفضوا الهجرة الى الجنوب كما طالبتهم بذلك إسرائ يل ليصبح الوضع أكثر كارثية . فمستشفى القدس مثلا يوجد بداخله 12000 مدني مستجير و نفس العدد نجده في باقي المستشفيات الغزاوية ليصبح الوضع داخلها خارجا عن السيطرة حسب شهادات الأطباء و كذلك شهادة المدير العام للمنظمة العالمية للصحة .
إن إستهداف المستشفيات في محيطها أو داخلها هي عملية ممنهجة الهدف منها ترويع الأهالي و إجبارهم على الإنتقال لجنوب القطاع تمهيدا لتهجيرهم إلا أن المستشفيات رفضت الإجلاء عديد المرات رغم قطع كل الموارد و رغم شح الوقود الضروري لإنتاج الكهرباء و الذي يعرض حياة المرضى في أقسام الإنعاش إلى الخطر القاتل و كذلك مصير عشرات الولدان الخدج و مئات عمليات غسل الكلى اليومية .
إنهيار المنظومة الصحية في غزة يهدد أيضا أكثر من 300 الف حامل لأمراض مزمنة و يهدد النساء الحوامل ..فهؤلاء المرضى ( من سكري و أمراض قلب و ربو و سرطان و التهابات متعددة ) لن يجدوا الرعاية اللازمة في ضل هذه الأوضاع ليثقلوا كاهل منظومة منهارة أو ليلتحقوا بقوافل الشهداء المغدورين التي يكبر عددهم كل يوم حتى فاق الألفية الخامسة .. إسرائ يل تجاوزت كل حدود القسوة و هي تستهدف كل ما نص القانون الدولي على تحييده و قت الحروب من مدارس ولمشافي و دور العبادة و مدنيين ..
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالشرق الأوسط يصف هذا الوضع بأنه “عدوان على الإنسانية تجاوز كل المواثيق و القوانين الدولية ..و إن المستشفيات بعد إنهيارها الوشيك سوف تتحول إلى مقا بر جماعية “
الجحيم في غزة هو أيضا فقدان الماء و الغذاء لاكثر من مليوني شخص الذين أصبحوا عرضة للجوع و سوء التغذية و العطش.
فإستهداف المخابز بالغارات بعد حرمانها من الدقيق و الوقود يهدف إلى تجويع المدنيين و حملهم قهرا على الهجرة غربا..و كذلك فقدان الماء الصالح للشرب دفع بالأطفال و الحوامل و الشيوخ إلى شرب المياه الملوثة و المياه المرة أو شرب مياه البحر لكي تعلن اليونسيف بأن حياة مليون طفل في غزة في حاجة إلى الرعاية بسبب أزمة الماء و التغذية و الموت الآتي من السماء و لكن أيضا بسبب تفشي الأمراض المعدية و الإسهال الحاد و إختلال نظام التلقيح مما يخبر عن أزمة صحية طويلة قادمة…
الذين فقدوا منازلهم يباتون أيضا في مدارس الأنروا و ملاجئها التي تأوي قرابة نصف مليون غزاوي و يخرج الوضع فيها عن السيطرة حسب وكالات الأمم المتحدة …
أمام هذا الوضع الصحي و الإنساني الكارثي الذي فرضته آلة الد مار الصهي ونية على شعب أعزل في قطاع محاصر منذ سنوات يقف العالم عاجزا على وقف هذه المجازر و يقف شعب القطاع في وجه هذه الوحشية صامدا و رافضا لنكبة جديدة. فإسرائ يل تضع شعب غزة أمام خيارين: الموت أو الهجرة الى الغرب فأختار أهل غزة الصمود و الثبات و أختار أرض فلسطين. تم غلق معبر رفح بالكامل في وجه إجلاء المصابين و إدخال المساعدات الإنسانية لمدة أسبوعين و فتح جزئيا تحت الضغط و لمتطلبات تحرير الأسرى الأجانب ..فسمحت إسرائ يل بفتحه ساعتين في اليوم لإدخال عشرين شاحنة فقط تستثني الوقود و توزع في جنوب القطاع فقط و هو ما يتطابق مع مواصلة الخطة الإسرائي لية للتهجير و تفريغ ثلثي القطاع من ساكنته و هو إنتهاك صارخ للقانون الدولي و إستهجان بكل مطالب المنظمات و وكالات الغوث الإنسانية العالمية بدءا بالامم المتحدة و وكالاتها و هيئة الصليب الأحمر الدولي الذين يطالبون بفتح المعبر أمام الشاحنات و بوقف لإطلاق النار كي تتمكن من توزيع الإعانات في كامل القطاع و تحديد ممرات إنسانية عديدة بدل معبر واحد..
و تمعن إسرائ يل في إنتقامها من غزة و يمعن العالم في الفرجة على فضاعات يرتكبها الإحت لال في كل ساعة و في كل حي من أحياء غزة هدفه الغير المعلن في ذلك هو “الترانس فار ” أو التهجير القسري نحو خارج غزة بفعل الأمر الواقع ثم يتفرغ لتهجير أهالي الضفة الغربية نحو شرق الاردن ..
إن هذه المجازر التي تعري الوجه الحقيقي للصهي ونية تسقط أيضا ورقة التوت على العديد من حكومات غربية أصبحت شريكا لإسرائ يل في حربها على المدنيين العزل و تتحمل بالتالي معها تبعات دعمها على المستويات الاخلاقية و السياسية و التاريخية و تتحمل أيضا تبعات جرائم الحرب التي أمر بها الكابينيت الإسرائ يلي بحماية من البوارج الأطلسية…
التعليقات مغلقة.