لطفي نڨض: أول غيث العدالة قطرة دم الشهيد
حلقة وصل
ريم الغيد سويد
يتذكر الكثير من التونسيين مقتل لطفي نڨض ، ويسترجع الكثير منهم مع هذه الذكرى احاسيس عديدة : الذهول، الخوف ،الخزي ،الخذلان ، الغضب والكبت.
لكل هذا سبب بسيط: هذه الذكرى الاليمة موثقة ، ترتقي الى جريمة دولة مدونة بالصورة والصوت ، وهي افتتاحية لعشرية كان فيها سحل الخصوم السياسيين لحركة النهضة والمناداة بقتلهم وتعليق رؤسهم في مداخل المدن ( وهذه ايضا خطابات موثقة صورة وصوتها) قد تحولت رويدا رويدا من القول الى الفعل .
الأحداث ابتدات بمشادات كلامية ثم عنف جسدي بين أنصار نداء تونس في تطاوين ،وانصار حركة النهضة من روابط حماية الثورة في 2012.
لن ندخل في تفاصيل سردية مؤلمة نعرف نهايتها : سحل رجل ،تمزيق ملابسه وكسر قفصه الصدري، ما أدى إلى وفاته.
بدأت المهزلة منذ التقرير اللي اقره الطب الشرعي آنذاك واللذي انتهى ب” موت لاسباب طبيعية” ، ثم اكتملت اركان المظلمة عندما حكم بعدم سماع الدعوى في الابتدائي والاستئناف والتعقيب في نهاية المطاف في جانفي 2014.
إن كان هناك في تونس دليل على رضوخ القضاء لضغوطات سياسية جعلت منه آداة لدحر الخصوم السياسيين، مثل ما كان الحال في عهد بن علي، فإن قضية نڨض هي سيدة الادلة .
وبالطبع ،لا يمكن ان نتحدث عن تحول ديمقراطي في ظل تهديد للسلطة القضائية، ولعب دور الغواصة في التنفيذي، بالإضافة إلى وضع ممنهح لتحالفات غير طبيعية للتحكم في السلطة التشريعية.
وبعد تسع سنوات في متاهة الاروقة والوعود الكاذبة من السياسيين، يرى ابناء لطفي نڨض وأرملته اليوم بصيص النور في عتمة الدهليز اللذي وضعوا فيه قسرا ، عندما تم نقض الحكم واستئنافه في سوسة.
لهذه القضية دلالة سياسية مهمة جدا، وهي أن الحركة اللتي كانت ضاغطة بشكل كبير على القضاء بدأت تفقد سيطرتها عليه ، وهو ما يعني ان القضاء الذي كان أسير التحالفات بين النهضة والاحزاب اللتي شاركتها الحكم بدأ في التخلي عن التسيس وصار بعض القضاة يخافون المحاسبة .
ولكن الأهم هو ان هذه القضية هي الشجرة اللتي تخفي غابة الملفات الاخرى اللتي من العيار الثقيل: اغتيالات سياسية وامنية ، تسفير وشبكات إرهاب وتلاعب خطير بأمن الدولة.
صحيح ان أول الغيث قطرة،ولكن لكي نكون واقعيين ، لا يزال القضاء يقع تحت وطئة الاحزاب السياسية ، ولكي يتخلص منها ، يجب فعلا ان يعلن استقلاله التام ،وان يرافق ذلك الترسيخ لدولة قوية وذات سيادة مستقلة ، دولة قانون ، تقطع مع الافلات من العقاب، وتضع أسسا لتونس أخرى ، قديمة جديدة ،سيدة نفسها وحاملة لمشروع ديمقراطية حقيقية ونزيهة.
يبقى ان أول الغيث قطرة، قطرة دم الشهيد، وانتصار نرجوه لقضايا شهداء الوطن كلهم.
التعليقات مغلقة.