بقلم ريم القمري
ما معني أن يأخذ كاتب في رحلة ممتعة تقرأ العمل وتحس أنك لم تنتهي منه بعد، أي أن جزء منك لم يتحرر من الكتاب رغم انتهائك من عملية القراءة.
يبدو الوضع معقدا بعض الشيء وقد يعتقد البعض ان هذا ينطوي على كثير من المبالغة، وأن الاعجاب بأي عمل ابداعي طبيعي ومنطقي لكنه لحظي وينتهي بانتهاء عملية القراءة، وهذا أيضا رأي وجيه ومقبول بكل الاحوال.
أعتقد أن متعة القراءة متعة لا تضاهيها أي متعة في الدنيا، هي ذلك الانتقال السلس بين عوالم عجائبية وغرائبية، ما أن تلجها حتى تصبح جزء منها، انها بمعنى اخر ورطة جمالية.
نعم إنك تتورط منذ العتبات الاولى، لتجد أنك داخل دائرة مغلقة، دائرة دخلتها برغبتك واختيارك ولكن متى ما دخلت ستفقد حتما حرية المغادرة بسهولة.
لطالما كنت قارئة نهمة، أسرق الوقت بل أقتطعه على حساب أشياء كثيرة علي انجازها، حتى أمنح نفسي متعة القراءة.
وكان دائما يرافقني شعور دائم بالتقصير، كلما نظرت للكتب في مكتبتي التي لم أملك الوقت بعد لقراءتها، وكلما فكرت في العناوين التي أحلم بقراءتها والكتب التي لم أقتنيها بعد، انه شعور بالذنب ممزوج بالخوف من أن يمر العمر ولا أقرأ كلما تمنيت قراءته، وأحسبها عملية شبه مستحيلة أن تكفينا حياة واحدة لإنجاز هذه المهمة الصعبة.
الحياة تمنحنا أحيانا فرص نادرة وعلينا اقتناصها، هي أحيانا تستمع جيدا لنداء أرواحنا او قلوبنا، وتهدينا حياة على مقاس أحلامنا، ربما أو على الارجح يكون هذا الكرم محدودا في الزمن والمكان.
لكنه يبقي أثمن هدايا الحياة الاستثنائية لنا، كما الحب يأتي حين نتوقف عن انتظاره أو حين نعتقد انه بعيد جدا وينتمي لأزمان أخرى.
هكذا تحول بيتي الى مكتبة، مكتبة صغيرة الحجم لكنها في رحابة الكون، مكتبة أستمتع بقضاء جل اليوم داخلها أتصفح الكتب، أنغمس في القراءة، أتجول بين عوالم متشابهة ومختلفة في ذات الوقت.
تحول الزمن الذي كان ضدي الى أفضل حليف، صرت أستمتع بساعات اليوم أكثر، ألتهم الحروف وأسافر بعيدا كلما عن لي ذلك.
الحياة عبارة عن سلسة من التجارب، والقاسي منها هو ما يعلم فوق جلد الذاكرة، وهو ما ينحت الذات ويصقلها ليترك أوشاما وندوبا لا تندمل بسرعة.
وتجربة وباء كورونا هي من أكثر تجارب الحياة قسوة، جعلتنا نقف عراة أمام ذواتنا، لنكتشف أن أقسى أشكال العقاب التي اخترعتها الانسانية هي الحجر أو السجن أو الاعتقال، تقيد الحركة، الاقامة الجبرية، كلها ذات الشي وان اختلفت المسميات.
بل هي من أفظع وأشنع وسائل التعذيب، تلك الاقامة الاجبارية القاتلة، انها تفوق طاقة تحمل الانسان بما هو كائن اجتماعي.
صديقي الوفي الكتاب هو من أنقذني من جنون الصمت القاتل حولي، ومن غياب الحياة التي اقتصرت على جدران تحاصر وجودنا من كل ناحية واتجاه.
لتتحمل غياب الحياة، عليك حتما أن تجعل الحياة نابضة في داخلك، أن تخلق كونا داخليا قائما على الخيال هذا مما لا يمكننا انكاره، لكنه عالم قوي وقادرا على الصمود، عالم تنحته انت ولكنه ينفصل عنك ليعود الى احتواءك.
هكذا صنعت رفقة صديقي الكتاب عالما جميلا ومختلفا، رتبنا ايقاعه وفق رغباتنا، وأبحرنا معا نقود زورق الايام في زمن الوباء.
التعليقات مغلقة.