غيّرت موقفها في المزاد الحكومي وهاجمت دولا بعينها .. النهضة تبحث عن تصدير أزمتها
بقلم : مراد علالة
حوار البحيري للاناضول التركية فيه احراج للرئيس سعيد الذي استقبل وزير خارجية الامارات واقرار بوجود تجاذبات ونوايا مبيتة لحشر ديمقراطيتنا في لعبة المحاور، *تٌلاعب الحركة اليوم شركاءها في المزاد الحكومي بشكل جيد وتشهر في وجوههم الانتخابات المبكرة التي هي مكلفة وليست مضمونة للجميع… لم يعد خافيا على أحد ان الوضع الداخلي للنهضة ليس على ما يرام فهي ليست تنظيم ما قبل ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة وليست أيضا تلك الحركة التي استأثرت وتغوّلت في الحكم بعدها وهو أمر طبيعي بالنسبة الى التنظيمات العقائدية ومنها جماعات الاسلام السياسي وكذلك الكيانات التي تضطلع بأعباء الحكم وخصوصا في مسارات الانتقال الديمقراطي حيث الاكراهات والتحديات كثيرة. ومثلما هو معلوم دائما فان «الصراعات» أو لنقل «التدافع» داخل النهضة استمر منذ 2011 مع دخول الحركة للعمل القانوني العلني والدخول أيضا في منطق الدولة بعد عقود من «الجهاد» خارجها والعمل ضدها وعلى دكها واستبدالها بدولة الخلافة، وبعد السجالات التي شهدتها بين «العائدين» و«السجنيين» وبين الصقور والحمائم وبين العائلة وابناء التنظيم برز صراع الاجيال وتمرّد عدد من الشباب على القيادة وتحديدا على الشيخ المؤسس راشد الغنوشي إما بالاستقالة «المؤقتة» كما فعل زياد العذاري وهشام العريض وزياد بومخلة أو الاعلان عن ترحيل «المعركة» الى المؤتمر القادم الحادي عشر المبرمج لشهر ماي القادم اذا لم يقع تأجيله مثلما يفعل عبد الحميد الجلاصي وعبد اللطيف المكي ومحمد بن سالم وعبد الكريم الهاروني وغيرهم.
ورغم هذا الوضع الداخلي الدقيق فان الحركة ما تزال تحافظ على تماسكها وتحتفظ بالكثير من الأوراق قصد تحريكها بين الداخل والخارج لإثبات الوجود وللبرهنة على ان الجماعة الاسلامية ما تزال محددة في المشهد التونسي بخلاف ما قد تذهب إليه بعض القراءات المتسرّعة التي أعلن بعضها بعد نهاية النهضة. وفي تكتيكاتها المؤدية الى استراتيجيتها القائمة على «التمكين» وعلى البقاء في الحكم كما قال الشيخ ذات يوم، تلاعب النهضة اليوم شركاءها في المزاد الحكومي بشكل جيد وبعد أن اصرت في حكومة الحبيب الجملي التي فشلت في نيل الثقة في البرلمان على استبعاد حزب قلب تونس هاهي مع خلفه الياس الفخفاخ تقلب المعادلة وتشترط مشاركة حزب نبيل القروي «خصمها اللدود» في الحكومة متجاوزة بذلك عهدا قطعته مع الناخبين بحجة المصلحة الوطنية وحجة الحزام السياسي الواسع لأي حكومة قادمة وهاهم «المتشاورون» في قصر الضيافة يدورون في فلك الموقف النهضاوي وهم عاجزون الى حد الآن عن ايجاد مخرج يضمن لهم لجمه أو تقليل خسائره أو تحقيق مكاسب منه وهذه غاية صعبة المنال في تقديرنا لان الرهان ليس فقط تمرير الحكومة كما اتفق وانما ضمان استمرارها بعض الوقت ومن يدري لعلنا نذهب الى السيناريو الأسوأ وهو الانتخابات المبكرة التي هي مكلفة ولن تكون مضمونة النتائج. هذا في الداخل التونسي، أما في علاقة بالمحيط الاقليمي والدولي فان حركة النهضة لم تتردد في اطار ما يمكن ان نسميه بـ«التصعيد» من أجل «التنفس» والقفز على الأزمة في مهاجمة دول بعينها وعلى رأسها دولة الامارات العربية المتحدة التي يتهمها رئيس الكتلة النيابية نور الدين البحيري باستهداف الديمقراطية التونسية.
البحيري، وفي خطوة ليست مفاجئة وبالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الاماراتي لبلادنا ولقائه رئيس الجمهورية الذي سلمه رسالة دعوة لزيارة دولة الامارات وتباحث معه في العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها الازمة الليبية مثلما جاء في الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، أدلى بحوار لوكالة الأنباء الرسمية التركية الاناضول وكال فيها ما شاء لأطراف تونسية واماراتية. المؤسف أن نور الدين البحيري اختار محملا اعلاميا اجنبيا لتصفية الحسابات مع دولة شقيقة وربما احراج رئيس الجمهورية في هذا الظرف علاوة على الخوض في تفاصيل وطنية متصلة بشخصيات بل نواب معه في البرلمان كان الأسلم ان يتحفظ بشأنها خصوصا وان الاعلام الوطني مفتوح للحركة ولقاءاتها.
ونخشى ان تكون هذه الحماسة في الاستماتة في الدفاع عن الديمقراطية التونسية امام التدخل الاماراتي وحشر اسم ضاحي خلفان ومحمد دحلان مجرد رد فعل لموجة الاستنكار التي رافقت زيارة الرئيس التركي لبلادنا قبل أيام أيضا وكانت زيارة غير معلنة وسال حولها حبر كثير وتحديدا في علاقة بالملف الليبي والحديث عن استخدام المجال الجوي والبحري والبري للتدخل العسكري في هذا البلد الشقيق وهو أمر مرفوض رسميا وشعبيا.
ولعل أخطر ما جاء في حوار رئيس الكتلة النيابية للنهضة بتاريخ 28 جانفي الجاري هو الإقرار بوجود تجاذبات ونوايا مبيّتة لقوى اقليمية تريد حشر بلادنا في لعبة المحاور باسم الثورة والربيع العربي من جهة ومن جهة ثانية باسم الدفاع عن المشروع المجتمعي التونسي الحداثي الذي يهدده الاسلام السياسي. وبين هذا وذاك تتواصل معاناة التونسيين على جميع الاصعدة مثلما يتواصل صبرهم وايمانهم بأن تونس أخرى ممكنة وان شعارات ملحمتهم غير المكتملة ما تزال سارية المفعول.
المصدر : الصحافة
التعليقات مغلقة.