في النزاع الليبي الليبي
بقلم : رشيد القرقوري
حملتني قدمايا يوم الاثنين الرابع عشر من أكتوبر الجاري إلى نزل في ضاحية قمرت قصد الراحة والاستجمام وتجاوز أخبار الحملة الانتخابية الرئاسية وأحداثها وتنظيف الأذنين مما علق بهما من قبيح النعوت والسباب والتراشق بالتهم . ما إن تجاوزت باب النزل ووقفت أمام المكلف بالاستقبال راغبا في غرفة مريحة تفتح على البحر حتى انتبهت إلى أصوات عالية وحوارات ساخنة مصدرها حلقة تتكون من عشرة أشخاص أو أكثر من ذوي الجنسيات الليبية , فسألت عون الاستقبال عنهم فأعلمني أنهم ليبيون من جماعة السراج يجتمعون هنا ويجزلون العطاء ثم نصحني بأن أبحث عن نزل آخر أكثر راحة وهدوءا فوافقته لكنني تراخيت في الخروج حتى أتمعن في الوجوه وألتقط بعض الجمل وحتى الكلمات. فانتبهت إلى أنهم مجموعة من السفراء السابقين وممثلين عن الأحزاب السياسية الليبيه وقيادات في جماعة الاخوان بل إن واحدا منهم أسمر اللون كنت أعرفه قريبا من الزعيم الراحل معمر القذافي .
كان حوارهم يدور عموما حول دعم فائز السراج ودعوته إلى تكوين حكومة جديدة يترأسها شخص يتفق حوله المشاركون في السلطة على السراج وتقبله البعثة الأممية ويكون مستعدا لدعم الميليشيات المسلحة الموجودة تحت شرعية وزارتي الدفاع والداخلية . وقد أبدى الحاضرون تأففهم من مقاطعي هذا الاجتماع بتعلة وجود متطرفين فيه وبشبهة تمويل قطر لهذا الاجتماع أو الندوة . كل هذا استمعت إليه وأنا أترشف قهوتي فكان كلامهم كزخات الرصاص في أذني وجالت في ذهني أسئلة شتى , كل سؤال منها يؤدي إلى آخر . فما هي صفات هؤلاء الناس ؟ وكيف يجلبون متطرفين إلى وطننا ؟ وهو قد دخلوا إلى أرضنا بصفة سواح أو سائحين . فهل تسمح لهم صفتهم هذه بعقد اجتماع سياسي على أرضنا ويذكرون فيه بوضوح اسم الوسيط الأممي غسان سلامه. إن الوسيط الأممي يمكن له أن يجمع هؤلاء في وطنه إن استطاع , وإن شاء تجميعهم .إننا نكن لغسان سلامة كل التقدير رغم تحفظنا على بعض مواقفه وليس هنا المجال لوصفها .ولكن عليه أن لا يتصرف في أراضينا وكأننا ملكه الخاص , ونحن متأكدون من أنه لا يقدر على تجميعهم في وطنه مهما فعل لأن بعضهم قد يكون مطلوبا من الشرطة الدولية .فكيف تستباح أرضنا بهذا الشكل ؟ من سمح لهم بهذا ؟ هل يكون لحركة النهضة دور في هذا ؟ إننا في حالة طوارئ وهذا يعني أن الاجتماعات من هذا النوع تقتضي ترخيصا خاصا جدا .
بل في العادة ترفض مثل هذه الاجتماعات بحجة حالة الطوارئ ولأنها بالضرورة تسيء إلى طرف آخر , وفي واقعة الحال فإن الطرف الثاني معروف جدا وهو الجيش الوطني الليبي . فهل من صالحنا ونحن تحت حكم النهضة أن نثير إشكالا مع هذا الطرف المنتصر عسكريا على الميدان ؟ وقد يصا هذا الطرف الى السلطة قريبا فتتعكر العلاقات التونسية الليبية لأنه قد يتهمنا بنصرة أعدائه فنخسر تبعا لذلك مليون موطن شغل يحتاجها مواطنونا وتذهب كلها إلى المصريين وغيرهم من الأفارقة .فهل هذا الموقف ذكي من التونسيين؟ لهذا ولغيره يبدو لي ضروريا التأكيد من جديد على الموقف التونسي من الأزمة الليبية والذي اتخذه المرحوم محمد الباجي قائد السبسي رحمه الله والمتمثل في الحياد الإيجابي والذي يقتضي الحوار مع طرفي النزاع ومحاولة تجميعهم للبحث عن حل سياسي .ويقتضي عدم السماح لأي طرف من طرفي النزاع بأن يتآمر على الطرف الثاني وخاصة انطلاقا من الأراضي التونسية مع لتذكير بأننا تحت قانون الطوارئ الذي يجب أن نفعله لأنه الآن ي نظري غر مفعل وحجتي على ذلك هذا الاجتماع الذي وصفته والذي نرى فيه اختراقا لمجالنا السياسي ومسا من أمننا القومي وتعديا على سيادتنا الوطنية بل سخرية واستهزاء من قانون الطوارئ عندنا .نقول هذا الكلام مع ما نكنه من احترام وحب للأخوة الليبيين سراجيين كانوا أو حفتريين . لعل هذا الكلام لن يعجب السراجيين ولا النهضاويين المتعاطفين معهم وبل كلامنا هو موقف وطني نعتز به ولا نعتقد أن أي نظام ليبي سيسمح لنا بأن نستعمل أراضيه لمناوأة نظام قائم في تونس خاصة إذا كان صديقا له .
لذا أسمح لنفسي بأن أطلب من كل الفرقاء الليبيين بأن يتقوا الله في وطننا ويجعلوه أرض لقاء للتفاوض والتفاهم والوصول إلى حل سلمي كما أطلب منهم تحييد أرضنا حتى لا تكون منطلقا لتآمر طرف على آخر في هذا الصراع المحتدم في ليبيا . كما نتجه إلى سلطاتنا السياسية في تونس بالدعوة إلى المحافظة على الموقف الرسمي التونسي من النزاع الليبي وهو الحياد الايجابي ومحاولة تجميع الطرفين للوصول إلى حل يرضيهما .وفي الانتظار لا يجب السماح لطرف من الطرفين بالاجتماع في تونس وعلى أرضنا قصد الإساءة للطرف الآخر في الصراع لأن هذا الأخير قد يرفض يوما ما القدوم إلى تونس للمفاوضات مع الطرف الليبي الآخر لأنه سيعتبرنا غير محايدين بل مناصرين لخصمه .
والله ولي التوفيق
التعليقات مغلقة.