في البرلمان القادم : تكفيريون ضد الإرهاب وفاسدون ضد الفساد ؟؟؟
بقلم : رشيد الكرّاي
توليفة طريفة اختارها الشعب التونسي لتكوين مجلسه التشريعي الثالث بعد الثورة ، توليفة قلّما نجد لها مثيلا في دول العالم جمعت بين الإرهاب والفساد ، بشكل يعطينا برلمانا طائفيا ليس بالمعنى الديني للكلمة ولا حتى السياسي ، بل هو ذو مسحة نادرة ، على علماء السياسة والاجتماع أن يجدوا تصنيفا له في خانة أنظمة الحكم السياسي .
شعب تونس الذي خرج أقلّ من نصفه ليمارس حقّه وواجبه في الانتخاب ، وعقابا منه لطبقة سياسية بكل أطيافها وتشكيلاتها الفلكيّة لم تجب عن طموحاته في الأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، صوّت لمن كان سببا في مآسيه ومدّ لهم رقبته ليُعملوا فيها ما شاؤوا من أنصال وسكاكين مشحوذة على غير القبلة التي يصلّي نحوها
النتيجة أن هذا الشعب سيجني طيلة الخمس سنوات القادمة ما زرعه بيديه من إفشاء لأجواء خطاب الكراهية والفرقة والعنف وبالتالي الأرضية الخصبة للإرهاب الذي يتربّص بالبلاد والعباد من كل حدب وصوب ، ومن تطبيع كامل مع الفساد وأهله ورموزه وعرّابيه ، وهو الذي اختار ممثّليهم ليجلسوا تحت قبّة البرلمان ليشرّعوا باسمه ما طاب لهم من قوانين وتشريعات ليغيّروا واقعه المزري والذي هو ويا للمفارقة ، جرّاء تفشّي الظاهرتين الإرهاب والفساد .
لقد غاب عن ذهن “شعبنا العظيم” صاحب حضارة الثلاثة آلاف سنة ،أنّ الإرهاب بشكل عام ، عندما يزدهر في منطقة ما ، يتبادر إلى الذهن بأن تلك الدولة هي دولة استشرى فيها الفساد حتى صار مألوفا في دوائرها، فهنا حارس حدود يمرر شحنة مشبوهة بمبلغ مالي ، وهنا في إدارة ما يمرر الموظف ما لا يجب أن يمر مقابل أي شيء ينتفع به شخصيا.
من هنا نجد أن الإرهاب يتغذى فعليا على تلك الدول المريضة مرضا عضالا بالفساد. فالإرهاب المنظم المألوف يوميا ينشط فعلا في الدول المهترئة ، فهو يستغل جزئيتين يعتبرهما مدخلا له للأوطان والمجتمعات ، هما ضعف أجهزة الدولة ، وضعف ثقة مواطني الدول بمؤسسات الدولة لإحلال القانون الذي من شأنه استقرار المجتمع، وقد يصير الفرد المنخرط تلقائيا في المجتمع المتشبع بالفساد مساهما في شرعنة الفساد عمليا ، وهو ما دوّن عليه الشعب الكريم بإصبعه وبالحبر الأزرق ، وغاب عنه أن وجود مؤسسات دولة ذات فاعلية عالية ورقابة عالية هو حصن منيع للمواطن والمجتمع والدولة ككيان ضد الإرهاب.
فالفساد الذي نقلل من شأنه أحيانا هو طريق من الطرق التي يسلكها الإرهاب للتوغل إلى الدول.
الإرهاب والفساد طريقان مختلفان يلتقيان في نفس النتيجة التي هي ضياع الدول ، وتشتت المجتمعات ، فالفساد جريمة بحق المجتمع والوطن ، مثلما الإرهاب كذلك ، بل هما عملتان لوجه واحد ، فالفساد على قول أحد المفكّرين ، يطول عمره كلما انسحب الشرفاء من الميادين وآثروا السلامة وتخاذلوا ، فيفسحون المجال للصغار التافهين البلطجية
يقول الشاعر أحمد محرم:
أرى فساداً وشراً ضاع بينهما
أمر العباد فلا دينٌ ولا خلق
سيل تدافع بالآثام زاخره
ما قلت أمسك إلا انساب يندفق
نال النفوس فمبتلٌ يقال له
ناجٍ وآخر في لجاته غرق
الدهر مغتسلٌ من ذنبه بدمٍ
والأرض بالنار ذات الهول تحترق
قومٌ إذا ما دعا داعي الهدى نكصوا
فإن أهاب بهم داعي العمى استبقوا
لم يبق من محكم التنزيل بينهمو
إلا المداد تراه العين والورق
ضاقت بهم طرق المعروف واتسعت
ما بين أظهرهم للمنكر الطرق
التعليقات مغلقة.