أسواق الكساد الانتخابي وبيع الأوهام السياسية …
بقلم : رشيد الكرّاي
بيع الوهم بضاعة خاسرة لا تجد لها سوقا ولا رواجا إلاّ حينما تكون العاطفة وغياب الوعي الشعبي سيّدي الموقف ، فكلما اقترب شعبنا من تحقيق طموحاته وتطلعاته نحو التقدم والرقي ، انهالت عليه الوعود المعسولة والوهم المباع له بهدف ثنيه وإعاقته عن مواصلة مسيرته الوطنية بوعود كاذبة وشعارات رنانة سرعان ما تتبخر في الهواء قبل أن يجف حبرها.
يبدو أن المشهد القادم لن يكون ورديا بل ظلاميا أسود في ظل هذا الوهم المباع والممنهج والمبرمج لأبناء شعبنا ، الذي يُراد له من خلال هذا الوهم أن يُسحق ويُجلد من كل أعدائه الداخليين والخارجيين، فضلا عن تضييع قضيته الوطنية الأساسية طالما هو يجري ويلهث خلف الوهم والشعارات المعسولة ، ولم يرفض هذه الثقافة التي تُرسم له لكي يبقى تائها حيرانا عبدا ذليلا خانعا مشغولا ببعضه بعضا، لكي لا يرفع رأسه للسماء ويعرف معنى الحرية التي تمنحه الشعور بأنه شعب يستحق أن يعيش حرا كريما كباقي شعوب العالم ، وأن تكون له نخبة سياسية تتبنّى حقيقةً مطالبه وتعمل على تنفيذها
وندرك جيدا أن جميع تلك المكونات الانتهازية انقلبت حملا وديعا بين عشية وضحاها، وغيرت جلدها في ساعات ما بعد النصر الذي حققه شعبنا في دحر الدكتاتورية والفساد وبناء دولة الحقوق والمؤسسات ، وصدّه لتيارات التطرف والإرهاب باسم الإسلام المُفترى عليه ، والتي تحاول الآن التدثر بقضية الفقر والبطالة في هذا الزمن الانتخابي الصعب ، ومازالت تناور وتتشبث بصراعها وشتاتها البيني للبقاء في دائرة القرار ، وتحاول التعلق بهرم القضية بأظافرها وأسنانها ، لأنهم أصلا لا صلة لها بمزاج الشارع التونسي وهمومه وطموحاته الشرعية والعادلة.
والمثير للقلق أن ملامح المرحلة المقبلة لم تتضح بعد، ولم تمر على التونسيين حالة انسداد أفق شبيهة بفقدان القرار السياسي والسيادي، وما نراه من أغلب المكوّنات السياسية هو ولاء لا يمتّ للإرادة الشعبية بصلة ، بل ولاء وتبعية للوبيات محلية ، ولقوى وأطراف خارجية من دون أي احترام للذات.
هذا الانسداد الجاري في الحالة التونسية جراء بيع الوهم المتعمد ، يذكّرنا بما ورد في كتب التاريخ وبالذات (بابا روما) بمناسبة مرور ألف عام على ميلاد السيد المسيح عليه السلام . حيث قام بابا روما قبلها بسنة بأخذ الأموال من فقراء النصارى بعد أن أقنعهم بأن يوم القيامة سيكون في سنة 1000 ميلادية. وعندما جاءت تلك السنة لاحظ الفقراء النصارى الذين باعوا أملاكهم وبيوتهم للكنيسة ليشتروا بها صكوك الغفران ، بأن الأرض لم تتزلزل بهم ، وأن السماء كما هي لم تنشق عليهم ، حينها اكتشفوا بأن رجال دينهم (الباباوات) ليسوا إلا لصوصا سرقوا أموالهم واستثمروا ممتلكاتهم بالباطل ، فأوهمهم البابا حينها بأن الأمر يتطلب بعض الوقت حتى يستعدّ فيها الرب لهذه المهمة الشاقة ، ولكن شيئا لم يحدث. وهكذا ظل بابا روما يخترع لهم في كل عام كذبة جديدة ، حتى أفصح عن هدفه في مؤتمر كليرمونت بفرنسا عام 1095 وهو لغرض احتلال بيت المقدس وإعادتها لمسيحيتها حسب زعمه.
تأملوا معي مشهدنا السياسي الانتخابي هذه الأيام ، ألسنا بحضرة “بابا مسلم” يوزّع علينا بالتقسيط السرّي برنامجه الثوري جدااااا في رؤيته لنظام الحكم وإدارة الدولة من القاعدة إلى القمّة واللّجان في كل مكان وصولا إلى مؤتمر الشعب العام ، وولادة العمادات أو المشْيخات المتحدة التونسية ؟ فهل يكون الرب على استعداد للقيام بهذه المهمّة الشاقّة ؟؟؟
التعليقات مغلقة.