أنا ومن بعدي الطوفان…
بقلم : رشيد الكرّاي
هذه الجملة الشهيرة ، قالتها زوجة لويس الخامس عشر وتقصد بها أن لا شيء يهم ، لا الكون ، ولا من فيه سواها .. أما الآخر فليذهب للجحيم: مثلها كثيرون ممن يعتنقون هذا المبدأ البشع، «أنا ومن بعدي الطوفان» حتى ولو ابتلع الطوفان أقرب الناس إليهم.
في واقعنا التونسي المريض بالأنا الزعاماتية للكثير من السياسيين الذين جاءت بهم صدفة الثورة ، طلع علينا أحد المترشحين للانتخابات الرئاسية سبق أن اعتلى كرسي الرئاسة مؤقتا في خلطة سياسية هجينة اختلط فيها الحقوقي بالإخواني ليقول إنه سيعلن 2020 سنة النفير العام في تونس في حال انتخابه رئيسا وذلك بسبب أزمة الماء التي تمر بها.
وكتب المرزوقي وهو المعني بالكلام ، في صفحته الرسمية على الفيسبوك أنه “في حالة نيل ثقة الشعب سيجند فيه كل الطاقات الفكرية والمالية والتنظيمية والتعبوية لوضع خطة للخمس والعشر والخمسين سنة المقبلة لتأمين حق الماء وحق الغذاء والحفاظ على الأرض وعلى الشواطئ والغابات وإعادة هيكلة الاقتصاد على هذه الأولويات الوحيدة التي يصح وصفها بالحيوية…. وإلا فقل على تونس السلام..
بمعنى آخر يقول لنا المرزوقي إن لم تنتخبوني وهذه فرصتكم الأخيرة ، فأنتم مقبلون على الفناء ، وبلدكم سيُمحى من خريطة الكون ، ولا لوم عليّ بعد أن نبّهتكم ، ولا تحمّلوني بعد ذلك وزر جهلكم وسوء اختياركم
هل سمعتم مثل هذه العبثية في الخطاب ، وضحكا على الذقون بمثل هذا الكلام الأجوف حين نعلم أن دستور البلاد الذي ختمه المرزوقي نفسه لا يعطي لرئيس الدولة صلاحيات معالجة مثل هذه القضايا على أهميتها وبعدها الاستراتيجي الكبير.
لم أجد من تفسير لكلام الرئيس المترشح سوى أنه أحد السياسيين الذين ابتلى بهم هذا الوطن وتميزوا بثقافتهم الأنانية ، أنا أو لا أحد ، أو أنا أولا ً وأخيراً ، ومن بعدي الطوفان . ثقافة محزنة لواقع مؤسف نعيشه مع أمثال هؤلاء ، مصلحتهم الشخصية هي الأهم ، والأهم أكثر تحقيق أحلامهم ولو كان السبيل الوحيد إلى تحقيقها تسلق ظهور الغير أو العبور على جثثهم.. لا تهمهم الروابط المجتمعية أو الإنسانية ولا يهمهم الضمير الذي فقدوه برضاهم.
هم في الأصل فاقدو الأهلية ومعدومو الضمائر إلاّ من ضمير واحد هو الأنا الضمير المنفصل حتى عن الأهل والأصدقاء ، وأما بقية الضمائر المتصلة فلا شأن لهم بها «أنا ومن بعدي الطوفان» .
يفتقدون الرؤية الصائبة فتفقدهم بسلبيتها المواقف، وتتضخم ذاتهم فيحرمون رؤية ما وراءها، وما هي انعكاساتها وعلى من تقع ؟ ولا يدرون أن وقوعها لاشك واقع عليهم قبل الآخرين.. فعندما تُدمر تلك الذات وتنهار ، وكثيراً ما تنهار ، فتقع بالتأكيد ولا تجد من يمد لها يد العون حتى في رفع أنقاضها ومن بقي منها حياً فليذهب للجحيم ، أو ليُنفى بعيداً عن مجتمعه ، بعيداً عن النفوس السليمة ، بعيداً عن الضمير الحي «نحن» ضمير منفصل نعم ، لفظاً فقط لا معنى ، وللجمع ذكوراً وإناثاً ، يجمع القلوب على المحبة والاحترام والإيثار والتعاون دون فردية أو أنانية فالمجتمع نحن ، والشعب نحن ، والإنسانية نحن ، والضمير نحن ، والقوة نحن ، والأخوّة نحن ، والتواضع نحن .. وكما قيل السنابل الممتلئة تنحني تواضعاً ، أما الفارغة أمثال الأنا الجوفاء المنفصلة باختيارها ، فرؤوسهن شوامخ !! خسرت بإرادتها فجنت على نفسها ، وعلى نفسها جنت براقش كما يقول المثل العربي لقصة مشهورة … لنستعيذ بالله من كلمة أنا وآثارها السلبية على المجتمع وعلى الإنسانية، أما من استفحل الداء فيهم فدعائي لهم بالشفاء..
التعليقات مغلقة.