عندما تثأر التلفزة الوطنية للشعب التونسي
بقلم : قيس بن نصر
تابع ملايين التونسيين جنازة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على شاشات القنوات التلفزية العمومية و الخاصة و أثير مختلف القنوات الإذاعية ، و قد كانت تغطية الجنازة من قبل مؤسسة التلفزة الوطنية على المستوى التقني و الفني ، حيث دام بث مراسم جنازة الرئيس الراحل حوالي ستة ساعات بداية من مراسم التأبين ثم تشييع الجثمان ثم الثرى و تقبل التعازي .
تابعت كمواطن مثل أغلب التونسيين مراسم الجنازة على شاشة التلفزة ، إنتابني شعور مزدوج خلال متابعتي للتغطية الخاصة بجنازة رئيس الدولة الراحل ، تمثلت هذه الإزدواجية في الجمع بين الحزن و السعادة في آن واحد ، حزن طبيعي للمصاب الجلل الذي حل بالدولة التونسية و الشعب التونسي لفقدان رئيسهم الأول المنتخب وهو مباشر لمهامه و لم يستكمل عهدته الرئاسية .
الإحساس الموازي للحزن الذي ذكرته هو الشعور بالإحترام والذي إنتشى به أغلب التونسيين الذين تابعوا مراسم جنازة لتوديع رئيسهم سواء كان عن طريق شاشة التلفزة أو في الشوارع التي جابها موكب الجنازة ، و تمثل هذا الشعور بالإحترام تحديد في إحترام الدولة للمواطن عن طريق حضور مؤسساتها العالي في تنظيم محترم يليق بجنازة رئيسه أساسا مؤسسة الجيش الوطني و الأمن الوطني و مؤسسة التلفزة الوطنية .
شعور المواطن بالإحترام مستمد من تجربة سابقة وهي الشعور بالحرمان حيث لا يختلفان إثنان في أن الشعب التونسي حرم سابقا من متابعة جنازة الزعيم الحبيب بورقيبة على شاشه قناته الوطنية و قد صرح مدير التلفزة الوطنية حينذاك الإعلامي القدير الصادق بوعبان في برنامج إذاعي في رباط أفم أن السلطة هي منعت بث الجنازة بصفة مباشرة على الشاشة ، بعد الإعداد الجيد و الترتيب النهائي من قبل مؤسسة القناة لبرنامج بث جنازة الزعيم بورقيبة تلفزيا و إذاعيا من مدينة المنستير .
بعد إنتهاء بث جنازة الرئيس الراحل السبسي على شاشة القناة الوطنية ، دون الإعلامي القدير و المدير الأسبق للقناة الوطنية ( خلال فترة جنازة الزعيم بورقيبة ) و بعد الثورة ، دون على صفحته على الفايسبوك حرفيا ما يلي :
Aujourd’hui, la TV tunisienne a eu sa revanche !
ساهمت هذه التدوينة المذكورة في إقتناص فرصة صحفية لي للحصول على شهادة من قبل رجل إعلام قدير قدم كثيرا للإعلام الوطني الإذاعي و التلفزي حول تفاعله في متابعته لبث جنازة الرئيس الراحل السبسي على شاشة القناة الوطنية خاصة و أنه كان ضحية السلطة بإعفائه من إدارة التلفزة بعد شهر من الحادثة لتبرير عدم بث التلفزة التونسية لجنازة الزعيم بورقيبة ، فعبر على أن ” التلفزة التونسية ثأرت لنفسها كما جاء في التدوينة و المقصود بذلك أن القناة الوطنية قادرة على نقل الأحداث الكبرى مباشرة ، على عكس التهمة التي حاولوا أن يلصقوها بها و المتمثلة في إفتقادها للإمكانيات و للكفاءات إبان وفاة الزعيم بورقيبة رغم أن جنازة الرئيس الراحل السبسي كانت أصعب تقنيا و أطول زمنيا و وقعت برمجتها في وقت وجيز و لذلك فإنها نجحت في نقلها بإقتدار.”
هذا الإقتدار و النجاح الذي لمسه المواطن المتابع لجنازة الرئيس الراحل السبسي على شاشة القناة الوطنية و مختلف القنوات الأخرى تحت عنوان ” تونس تودع رئيسها ” هو الذي جعل المواطن التونسي يحس بالإحترام من طرف دولته عن طريق مهنية مؤسساتها التي ساهمت من قريب أو من بعيد في إنجاح مراسم تأبين الرئيس الراحل في قصر قرطاج أو في موكب تشييع جثمانه .
إضافة لما ذكره الإعلامي القدير الصادق بوعبان حول ثأر التلفزة التونسية لنفسها لتثبت أنها قادرة على نقل الأحداث مباشرة ، فإني أضيف كمواطن عاش غياب بث جنازة الزعيم بورقيبة على شاشة التلفزة بسبب إستبداد و ديكتاتورية السلطة حينذاك و كمواطن نفسه تابع بكل دقة و تركيز و تفاعل مراسم تأبين الرئيس الراحل السبسي و موكب تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير على شاشة القناة الوطنية بكل حرفية و مهنية عالية ، أضيف بكل موضوعية أن التلفزة التونسية في هذا المصاب الجلل لم تثأر لنفسها فقط و إنما ثأرت للشعب التونسي أيضا الذي حرمه نظام بن علي من مواكبة جنازة باني دولة الإستقلال الزعيم الحبيب بورقيبة مباشرة رغم أنها بثت على الشاشة في وقت سابق كل من جنازة الملك الحسين و الرئيس حافظ الأسد و الملك الحسن الثاني .
” إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق…” صدق إبن خلدون .
التعليقات مغلقة.