في سهرة افتتاح الدورة 34 لمهرجان الجم: احتفاء بالملحن الأوبرالي الكبير جياكو موبوتشيني
من على ركح المسرح الروماني المزيّن بأضواء الشموع والمعطّر بروائح الياسمين التونسي المنعشة، افتتحت الدورة 34 للمهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجم بعرض إيطالي لأوركسترا مهرجان بوتشيني الإيطالي يحتفي بالملحن الأوبرالي الكبير جياكو موبوتشيني وبقيادة المايسترو ألبرتو فيرونيزي وحضور أصوات شهيرة في عالم موسيقى الأوبرا وهم حمادي الآغا و أماريلينيزا وجيو فاناكاسولا وإيليا فابيان وإيفانا كانوفيتش.
الاوركسترا القادمة من مهرجان بوتشيني، المهرجان الغنائي الموسيقي الوحيد في العالم المخصّص لملحن الأوبرا الايطالي والعالمي جياكو موبوتشيني منذ سنة 1930، قدمت لمحبي الأوبرا التونسيين ومن السياح الباحثين على الاستمتاع في رحلة اكتشافهم لتونس، قدمت لهم عددا من مقطوعات موسيقى الأوبرا ك “البوهيمية” و “السيدة الفراسة” “توسكا” و توراندو”.وغيرها من معزوفات الأوبرا العالمية التي لحنها الراحل جياكوموبوتشيني وخلدت باسمه.
ولم تقدم اوركسترا مهرجان بوتشيني أصواتا إيطالية فقط بل شارك مغني الأوبرا التونسي حمادي الآغا في هذا العرض الموسيقي، فصدح صوته في تونس وتقاسم الركح مع ثلة من خيرة أصوات الأوبرا في إيطاليا وهم أماريلينيتسا و جيوفاناكازولا وإيفانا كانوفيتش.
وتمثل عروض اوركسترا بوتشيني غوصا في العالم الموسيقي للملحن الإيطالي، في رحلة فنية تقدّم للجمهور حوالي عشرين معزوفة موسيقية من “مدام باترفلاي” إلى أحدث أوبرا لحنها بوتشيني قبل وفاته وهي “توراندو”.
وانطلقت السهرة الافتتاحية للمهرجان، بمعزوفة على آلة الكمان من “إنيوموريكوني” قدمها الضيف المفاجأة للمهرجان وهو عمدة مدينة فلورنسا، لتبدأ المغامرة البوتشينية بألحان من “مدام باترفلاي” و ان بال دي فدرومو” بصوت السوبرانوأماريلينيتزا ، التي تغنت بألحان بوتشيني بحرفية عالية.
“مدام باترفلاي” هذه الأوبرا التي تجسد الحب والخيانة والتضحية والتي تعتبر من بين أعمال بوتشيني، جسدها على ركح مسرح الجم صوت متقطع ومتذبذب يكشف مدى تمزّق ومعاناة “مدام باترفلاي” و بتناغم مع الآداء الساحر للتينور التونسي حمادي الآغا الذي قدّم Air” Viene sera “من نهاية “مدام باترفلاي ” مما جعل صوت التينور القوي يكون دافعا لبروز النغمة الناعمة لشريكه في الآداء.
وكان الثنائي يغني أمام الجمهور بسلاسة وتناغم كبيرين فتسمع أصواتهما متناغمة وإيماءاتهما دقيقة دون تشديد أو قيد.
ثم عزفت النوتات الأولى لتوسكا ، إحدى أشهر معزوفات أوبرا بوتشيني ، وقدمها الثنائي جيوفاناكاسولا وحمادي الآغا في “ماريو ماريو” ، وكان الثنائي دقيقا في التزامه بالنوتة الموسيقية مبدعا في تقسيم الجدول الزمني لتوزيع الأصوات، مما زادهما جاذبية في الآداء وتقنيات استثنائية تعكس مدى تناغم المغنيين.
ثم كان الجمهور على موعد مع مقتطف من أوبرا ManonLescautالأوبرا الثالثة لبوتشيني، الاوبرا الناجحة لدى جمهوره الأوروبي الواسع في أوائل القرن العشرين، تلتها عشر دقائق من الشعر الغنائي الناري وقوة العزف الأوركسترالي العظيم الذي يكشف مدى براعة بوتشيني وحساسية قائد الأوركسترا اتجاه أعمال بوتشيني الخالدة.
افتتحت إيفانا كافانوفيتشآداء أوبرا “البوهيمي” قبل أن تبحر في حوار مع الصوت الساحر حمادي الآغا ، ثم أماريلونيتزاليجتمعوا في ” soave Fanciulla”
آخر مقتطف من ” la bohème”
وتقدم أمام جمهور مهرجان الجم في
آداء رهيب وجميل لخاتمة اوبرا “البوهيمي” الرائعة ، وكأن اوبرا البوهيمي أحييت من جديد بأصوات مؤديها الموهوبين ، الذين سافروا بالجمهور بين رحلات الأحلام السعيدة والتوتر الكبير والنهاية المأساوية التي تحكيها الأوبرا بموسيقاها المؤلفة بدقة وابداع كبيرين.
ثم افتتحت إيفانا كانوفيتش “Turondot” ،وهو آخر عمل للملحن الكبير جياكوموبوتشيني، فتأرجح صوت السوبرانو ببراعة كبيرة بين الارتفاعات المروعة والإيقاعات الأكثر ثراءً وامتدادًا ، فيسمع صوتها رائعًا في ارتفاعات لطيفة ويتحرك ويتغير حسب متطلبات الآداء.
جسدت السوبرانو الغنائي جيوفاناكاسولا دورها كأميرة قاسية ولإنهاء هذه الأوبرا غير المكتملة ، قام حمادي الآغا ببراعة بأداء “نسون دورما” الشهيرة.
ولاعلان نهاية الحفل اجتمع جميع العازفين المنفردين ،
لتعلو نغمات صوت قائد الاوركسترا ويقدّم بصوته الذي يضاهي موهبته في قيادة الاوركسترا ، بآداء “o sole moi” ويعلن عن نهاية العرض.
سحر جياكوموبوتشيني الغنائي كان له وقعه النادر كندرة صاحبه، على المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم في السهرة الافتتاحية، على أن يتجدد اللقاء في الحفلة القادمة يوم السبت 13جويلية 2019 مع أفضل الأغاني الكلاسيكية التي يقدّمها أوركسترا الراديو الوطني الأوكراني.
ولمن لا يعرف بوتشيني،هذا الذي تزورنا اوركسترا تعمل على انتاجاته الفنية، فهو أحد رواد موسيقى الأوبرا في العالم، ولد في 22 ديسمبر 1858 وتوفي ب في 29 نوفمبر 1924، ونجح طيلة حياته في نحت اسم لا يُمحى في المجال الموسيقي.
أصبح بوتشيني عضوًا في الجوقة الكنسية منذ نعومة أظافره، وبدأ العزف على آلة الأورغن عندما كان عمره 14 سنة، ليشرع بعدها بثلاث سنوات في تأليف المقطوعات الصغيرة إلى أن ألف أول عمل موسيقي كبير وهو “القداس المجيد” للكنيسة.
ثم توالت انتاجات بوتشينيالاوبرالية، ورغم وقوف الحرب عائقا أمام تأليفه وتلحينه لأوبرا كبيرة لفيينا، إلا أن نجاحاته تتابعت وازدادات شهرته مع كل عمل إبداعي جديد إلى أن أصيب بسرطان الحلق وتوفي.
التعليقات مغلقة.