لصوص وقراصنة السياسة في موانئ تونس المسكينة …
بقلم : رشيد الكرّاي
أسماء كثيرة ببرانيسها وشاشياتها وجْبايبها وربطات عنقها وأقراط آذانها وسراويلها المرزكشة ، أعلنت خوض المعترك الانتخابي ونيّة الوصول إلى قصر قرطاج الذي آوى لثلاث سنوات زمن الترويكا أعجب المخلوقات السياسية ، فلم لا تجرّب هي حظّها ، وقد هزُلت حتى ظهر من هُزالها كِلاها وسامها كلّ مفلس. المشهد ذكّرني بحكاية قرأتها سابقا وربّما يعرفها الكثير ، وهي حكاية يتداولها الأميركان في ثقافتهم الروائية الشعبية وتروي قصة أحد القراصنة ويدعى (موركان) ..
وموركان هذا يُعد من أذكى وأمهر من يمارس القرصنة غير العادية وربما تقترب قرصنَتُة إلى العجب والغرابة وتتجاوز بكثير قرصنة القراصنة العاديين الذين يقرصنون السفن ويسلبون البحارة. فموركان لا يفعل مثل هذا ، بل يقبع في مكان ما ويراقب القراصنة العاديين لحظة اقتسام الغنائم والأسلاب ، فيَغِير على القراصنة ويقرصن لصوص السفن ، أي أنه يحتال على اللصوص ويسلب القراصنة ما سلبوا . وقد وضع هذا الصنيع موركان في قمّة المجد وبوّأه مكانة كبيرة وربما يصفه البعض بالشجاعة والفضيلة وبأنه ينتقم من اللصوص بطريقة غريبة وتصبح النظرة إليه متعددة تحمل أكثر من معنى وتنتج أكثر من تأويل.
في سياسة اليوم سواء في تونس أم غيرها من بلدان ما سُمّي كذبا بالربيع العربي ، التي تشهد احتداماً وانتقالاً مفصلياً من قيم إلى قيم غالباً ما يسود منطق موركان ، وتصبح الصورة تحمل الكثير من الضبابية وعدم وضوح الرؤية ، وتصبح لعبة القراصنة عصية أحياناً على الفهم العادي ومكشوفة في جوانب أخرى كونها لا تخرج عن نطاق القرصنة..
وإذا كان القرصان يعتمد أحياناً مبدأ المباغتة والتوقيت فإن السياسي غالباً ما يلجأ إلى المباغتة والتوقيت . فالقراصنة يحيون مع بعضهم بمنطق الاستنفار الدائم واليقظة المستمرة ، بمعنى التعايش على تسقيط وترذيل الآخر وكأنهم يطبقون قانون الصراع بين الأسماك الصغيرة والكبيرة طالما أن القضية ترتبط بالأحجام والمساحات والفراغ والاستحواذ على النفوذ.
ويصبح من الصعب نتيجة العراك الشعاراتي والصراع- الخطابي- أيهما أكثر صدقاً ، ويصبح موركان موضع جدل ، هل هو منقذ أم محرر أم منتقم من اللصوص ، أم هو قرصان محترف أدرك لعبة خفية ومارس القرصنة وفق طرق حديثة وغير تقليدية بل وطريفة ..
سلوك السياسيين “الموركاني” يدلّ أن هناك ابتكاراً في السلوك الباطني حتى يضيع على متلقي السياسة ، أيهما اللص وأيهما المنقذ ، ولكن السؤال الأخطر يبقى ، أين تستقر الغنائم بعد لعبة الكر والفر…
التعليقات مغلقة.