يوم خلعت الحجاب
بقلم : عائشة بلعابيد جامعية وباحثة مهتمة بالفقه الإسلامي
يوم لا يشبه باقي الأيام في حياتي… تفقدت وجهي مئة مرة قبل أن اخرج من صالون الحلاقة والتفت يمينا وشمالا لم يكن يعرفني في ذلك المكان احد ولكنني كنت أعرف نفسي لم ينتبه إلى دخولي إلى الصالون أحد ولم أجد من يهتم لخروجي، لكنني كنت دائما هنا شاهدة على كل المراحل، شاهدة على نهوضي صباحا وتباطئي في الخروج من البيت، لعلِّي أنعم أكثر بوجود شعري فوق رأسي أكبر قدر ممكن، بما أنني كنت أفتقده يوميا أكثر من عشر ساعات أقضيها بين الدراسة والعمل، كنت شاهدة على نفسي، على رغبتي بأن أكون المرأة الأخرى وليست تلك التّي يراها النّاس، المرأة التّي أحتجزها في داخلي وأخشى أن تفلت مني، إذ لا يمكنك أن ترتدي حجابا وتفعل أشياء تخالف ما ينتظر منك، على الأقل بالنسبة لي كان الأمر شاقا أن أتركها تفلت حريتها المكبوتة، لو فلتت كانت أحرجت الحجاب وما تحت…
كنت أعد السنوات وأخطئ متى ارتديت ذلك الخمار أول مرة، بدت سنينا طويلة وبعيدة في الماضي ما كان يجب أن أتساءل عن الزّمن، كنت أمر بذهني أمام أصدقائي وأقربائي كيف سيرون تلك المرأة الأخرى التي طويتها طويلا كما ورق مقوى ينتظر يوما أن يستعمل…، كنت أشعر بظلام كبير داخلي، أشعر أنني أكذب عدد ألوان القماش الذّي أضعه فوق رأسي، كنت أشعر أنّ الشّعر تحت الخمار هو أجمل ما وجد بالكون، فلماذا وجب عليا أن أخبأه؟ وألتفت حولي أحيانا فأجد ألاف النساء بخمرهن مثلي يتراوح الطول والقصر واللّون من فئة إلى أخرى، لكنه ينتهي إلى معنى واحد أنتي محجبة مختمرة إلى أن يتخمر دماغك داخل رأسك. لا شيء كان يشق عليا مثل نظرة أمي إلى شعر بناتها الأخريات ونسيانها أن لي شعر أيضا، كلما قلت أنني أرغب بتسريح شعري تجيب بهدوء لا يبعث على الراحة بقدر ما ينبهك إلى وضعك الحقيقي أنتي محجبة لماذا تسرحينه وتضعين عليه غطاء؟ لم يكن هدفها أن أخلع الخمار طبعا بل كان هدفها أن لا داعي للاهتمام مادام مغطى، كل شيء مغطى مقبول، أمر يتوافق تماما مع مجتمع لا يعيش إلا على الكذب؛ افعل ما شئت مادام لا يراك ولا يعرف عنك أحد ذلك، لا أتذكر أنني اهتممت يوما لشكل وجهي أو وضع حواجبي داخله، أو ثيابي أو ألوانها فبالنسبة لي لم يكن الأمر ذا بال: أسود مع أخضر مع بني لا يهم، لأنني على كل حال لست من أرغب بي…
عشت على مر 15 سنة هوة عميقة بيني وبينها، كانت تتمدد هي كل مساء تنظر جيدا إلى المرآة المقابلة وأحيانا إلى عيني أمي وتسأل ألا يستحق هذا الجسد معاملة أفضل؟… كانت تكبر وتشيخ بداخلي وكنت أواصل التمثيل بإتقان ولا اهتم… ما يفعله أمثالي هو أن يركّزوا على الدراسة أن يخدّروا أوجاعهم العديدة بالدّراسة، كنت جيدة في ذلك وكأنه يجب أن أكون امرأة في سلة المهملات لأكون طالبة جيدة.. وقد كنت بامتياز أنثى في سلة المهملات… أول حب ولبست خمارا أبيضا في أول موعد… كان يوما مليئا بالتناقضات كنت أفكر طيلة الوقت هل يتعارض ذلك مع كوني أرتدي حجابا… وكان يجيبني وكأنّه سمع ما أفكر به: أنت تشبهين القديسات لا يتخيّل أي رجل أن يمد يده إليك… لم أسمع كلاما قاسيا أكثر من هذا… انتهى الحب وأخذ معه أنثى السّلة تلك. عدت إلى خماري ثانية أفكر ثانية وأترقب المرأتين بداخلي أقارن ذلك مع باقي أخواتي، ليس من المفرح أن تقابل عند أي رغبة عبارة أنتِ محجبة فلماذا ترغبين بذلك؟ أنتِ محجبة فلماذا تفعلين ذلك؟ أنتِ محجبة فلا يجب أن يغازلك أحدهم مراعاة للفضيلة التّي تحملها تلك القطعة من القماش على رأسك، كم هي النّظرة إلي الفضيلة قاصرة في مجتمعاتنا ترتبط دائما بالقطع والأجزاء إما بقطعة جلد أو قطعة قماش… غير مسموح أن يقول لك أحدهم أنك جميلة… الرّجال والنّساء يتفقون بشكل ما على أنّ الخمار ليس زيّا، فلو كان زيا رسميا لأي شيء لسهل التعامل معه فينزع ويُرتدَى حسب الوظيفة التّي يتطلبها كزي رسمي (مثل زي الشرطة أو الجيش)، إنه رمز لوضع ومكانة اجتماعية ودينية وأخلاقية… زيٌّ يملؤك بالظّلام ويحجر على عقلك وجسدك، يحاصرك من زاوية إلى أخرى ويسهر كحارس ليلي على ألاّ تتجاوز حدودا معينة لكن لا أحد يخبرك لماذا؟ ولا أحد يسألك لماذا؟ لا أحد يلتفت لشعورك أو تناقضاتك أو يحاول كشف ظلامك…بل الكل يهنئ البنت عندما ترتدي الحجاب وكأنها فعلت أمرا مدهشا يستوجب التهنئة، لا أفهم منها إلا أنّها مباركة على الإلتحاق بالقطيع… الآن وبعد ذلك الخريف وتلك التّسريحة في صالون الحلاقة، تلك اللّحظة التّي ألقيت فيها الكثير من أشعة الشّمس على شعري وأحسست أنّها غمرت روحي، أشعر أنّني أصبحت شفافة لست مضطرة للكذب…لست مضطرة للتّظاهر…لست مضطرة لأن أراعي في حجاب أو شعر أي فئة اجتماعية أو سلوك لا أرضاه وأقوم به فقط لأنّني محجبة… وأنا بدون حجاب صادقة أكثر مرحة أكثر…حرة طبعا… ومنسجمة مع نفسي أكثر أنا شفافة واستطعت أن أنقذ نفسي من ظلام المجتمع وظلام الكلمات وظلمها.
التعليقات مغلقة.