الغباء هو إعادة التجربة مرتين وانتظار نتيجة مخالفة
بقلم : رشيد الكرّاي
ليس المهم أن تمرّ بتجربة أو تقرأ عن تجارب الآخرين أو تسمع عنها، وإنما المهم هو أن توظفها في حساباتك اليومية لتستفيد منها دروسا في النجاح تجنّبك الفشل والهزيمة ، وخاصة التجربة الذاتية فهي غنيّة بالدروس والعبر أكثر من غيرها. ما يلاحظ اليوم عند التونسيين أنهم شعب لا يوظّف التجربة، ولا يستذكرها أبدا، إنه شعب ينسى بسرعة أو يتناسى ولذلك تتكرّر عليه المآسي ويتكرر عليه الفشل والهزيمة باستمرار.
إننا اليوم أمام فترة زمنية عصيبة جداً، هي بمثابة الحد الفاصل بين زمنين، بين الديمقراطية أو العودة بعقارب الزمن إلى الوراء ، ويخطئ من يظن أن عقارب الزمن لا يمكن أن تعود إلى الخلف ، أبدا إنه أمر خيارُه بيد التونسيين اليوم، فإذا وظّفوا التجربة بكل تفاصيلها، خاصة ما مرّوا به خلال السنوات الثماني الماضية ، فسينتقلون إلى الضفة الأخرى، يكمّلون المشوار ويتقّدمون إلى الأمام بالعملية السياسية فيكمّلون بناء النظام الديمقراطي بشكل سليم، أما إذا تهاونوا وتكاسلوا وأعادوا تبني فكرة ( لا اسمع، لا أرى، لا أتكلّم) فعادوا من جديد يصنعون دكتاتورا ويعبدون القائد الملهم ويصفّقون للمسؤول الفاشل ويدافعون عن المتصدي بسبب انتماءاته الفكرية والسياسية ، وليس على أساس انتمائه الوطني، إذا بقي التونسيون على هذه الحال واستحضروا الحالة السابقة فان الفشل ينتظرهم لا محالة، فالأمر لا يحتمل التجربة مرة أخرى، وهو جدي بشكل كبير يحتاج إلى التفكير السليم الذي يعتمد النقد البناء والرقابة الصارمة والمحاسبة الحازمة، لان الفشل لا يعني أحدا دون آخر، وأن الهزيمة تخصنا جميعا، كما أن النجاح نصنعه مع بعض وسنتمتّع بنتائجه الإيجابية نحن جميعا كذلك.
ولعل من أبرز ما ينبغي توظيفه من تجارب هو عدم تكرار تجربة المجرّب مرة أخرى، كما سبق وفعلنا في الانتخابات البلدية حين استنسخنا القانون الانتخابي المعتمد منذ سنة 2011 عليها ، فكانت النتيجة ما نقف عليه اليوم من حالات تعطيل كبيرة للمرفق البلدي في أكثر من بلدية واستقالات جماعية وحلّ مجالس بلدية لم يمض على تشكيلها العام الواحد ، والسبب هو اعتماد ذلك القانون الانتخابي المجرّب الذي يفرز فسيفساء سياسية يصعب تركيب مكعّباتها ، ويقسّم القرار بين زعماء القبيلة فإذا بالقرار يغيب ، وإذا بمصالح الناخبين تتوقف حين كانت إرادتهم تحريكها والرأي عندي وقد تأخر البت بين مختلف الكتل السياسية الممثلة في البرلمان بخصوص التعديلات المقترحة على قانون الانتخابات والاستفتاء ، أن تتحامل هذه الكتل على نفسها وتتغاضى عن حساباتها الضيقة على قاعدة الالتقاء في منتصف الطريق ، من خلال تقديم التنازلات الضرورة حتى ولو كانت مؤلمة للبعض من أجل تحقيق الصالح العام فالبلاد على كفّ عفريت وسياسة العناد والابتزاز وإثارة الأزمات مع الشركاء السياسيين الآخرين لا تصبُّ في الصالح العام أبدا.
التعليقات مغلقة.