بعد تلاشي نفوذ تنظيم داعش في سوريا تحت ضربات التحالف الدولي وحليفته قوات سوريا الديمقراطية (شرق الفرات) من جهة، وقوات القوات الحكومية السورية وحلفائها وعلى رأسهم روسيا وايران من جهة اخرى (غرب الفرات)، لجأت اعداد كبيرة من المدنيين من سكان المنطقة ومعهم اعداد كبيرة من عوائل مقاتلي تنظيم داعش الذين اضطروا لتسليم انفسهم لقوات “قسد”، خصوصا بعد حملة الرقة، وقامت قوات قسد بتجميع هذه العوائل في مخيمات تقع في بادية الحسكة، اشهر تلك المخيمات وأكبرها مساحة هو مخيم الهول الذي يقع شرقي الحسكة، وهو المخيم الأضخم في سوريا من حيث الاعداد التي فيه.
مخيم الهول كان قد تم إنشاؤه من قبل الأمم المتحدة بالتنسيق مع القوات الحكومية السورية في أوائل العام 1991 إبان حرب الخليج، ويقع على المشارف الجنوبية لبلدة الهول، ويوفر ملاذاً لما لا يقل عن 15 ألف لاجئ من العراق، والذي كان يحوي حوالي 22 الف شخص اغلبهم مدنيين من محافظة دير الزور من مناطق الشامية التي تسيطر عليها القوات الحكومية السورية حاليا، وتوجد نسبه كبيرة من العراقيين في المخيم، اغلبهم لهم صلات بتنظيم “داعش”، يخشون العودة للعراق بسبب الملاحقة الامنية التي ستطالهم من حكومة بلادهم هناك.
بنفس الوقت فضلت اعداد من العراقيين من 700-900 شخص العودة للعراق في اوائل العام 2018، وقامت “قسد” بتسليمهم للجانب العراقي على ثلاثة دفعات، بينما لايزال عدد كبير منهم موجود في مخيم الهول.
منذ فترة ليست بالبعيدة جرى اتفاق بين الجانب العراقي من جهة وبين مندوبين من التحالف الدولي و”قسد” من جهة ثانية.
تم الاتفاق مبدئيا على تسليم “قسد” جميع العراقيين الموجودين في المخيم للسلطات العراقية، الاجتماع تم بوساطة ضباط من التحالف الدولي.
قام العراق بأرسال وفد زار العراقيين في المخيم وأطلع على اوضاعهم هناك، وفي الحقيقة هناك تخوف كبير من العراقيين قاطني المخيم ومن بعض المنظمات المعنية بحقوق الانسان لمصير هؤلاء اذا ما تم تسليمهم للجانب العراقي، كون غالبيه الرجال هناك لهم صلات مع تنظيم “داعش”.
يحوي مخيم الهول حاليا على اكثر من 25 الف شخص يتوزعون داخل المخيم على ثلاثة اقسام سوريين وعراقيين واجانب من جنسيات عربية واسيوية وافريقية (من اتباع تنظيم داعش).
بعد اطباق “قسد” السيطرة على جيب هجين اخر معاقل تنظيم “داعش” في شرقي دير الزور في مارس الماضي، قامت قسد بنقل اعداد كبيرة اضافية من المدنيين الذين كانوا يعيشون تحت حكم التنظيم في مناطق هجين والشعفة والسوسة والباغوز نحو مخيم الهول، واغلب هؤلاء الخارجين من الاجانب من عوائل التنظيم، ومعهم نسبه صغيرة من ابناء دير الزور من اهالي المناطق المذكورة، وقامت قسد بتجميعهم في مخيم الهول الذي تحمل اعداد فاقت طاقته الاستيعابيه وتخطت اعداد قاطنية الــ 28 الف شخص.
وقامت “قسد” بنقل المئات منهم لاحقا لمخيمات اخرى في ريف الرقة وريف دير الزور وريف الحسكة.
الحياة في المخيم اشبه بالجحيم، فهو عبارة عن سجن كبير، والخروج منه اشبه بالمستحيل، ويعاني من قله في الخدمات، وقاطنيه يعيشون داخل خيم لا تقي لا حر الصيف ولا برد الشتاء.
زوجات مقاتلي التنظيم صاحبات الفكر المتشدد و”دولة الهول”
سابقا كان جميع قاطني المخيم يعيشون داخل سياج واحد مع بعضهم البعض، لكن وبعد وصول العشرات من النساء من زوجات مقاتلي التنظيم من صاحبات الفكر المتشدد، بدأت المشاكل بالظهور تباعاً، وبدأت الحساسية بينهن وبين قاطني المخيم من المدنيين تتفاقم اولا بأول.
مشاكل شبه يوميه بين بعض نساء التنظيم وبين السكان السوريين والعراقيين من قاطني المخيم، وسبب الخلافات عادة انتقاد سياسة التنظيم من قبل الطرف الاخير، ونظرة الكره التي يرمقها لهن اغلب قاطني سكان المخيم، كون هؤلاء يلقون باللوم على تنظيم “داعش” وانصاره بكل ما حصل لهم، وكون بعض هؤلاء الاشخاص قد عانوا من جراء سياسات التنظيم وخسروا اقارب لهم على يده.
هذه المشاكل دفعت المسؤولين عن المخيم للقيام باجراءات فورية لتفادي تلك المصادمات فعمدوا على فصل خيم نساء التنظيم عن باقي خيم قاطني المخيم، وبات الهول عبارة مخيم داخل مخيم.
المخيم الصغير والذي بات يطلق عليه تهكماً “دولة الهول” يتكون من حوالي (650) خيمة ويقطنه نساء تنظيم “داعش” مع اطفالهن مع عدد من النسوة العراقيات والسوريات ممن وصفن بــ “المتشددات جدا”، يحيط به سياج حديدي مع كاميرات مراقبة، ويخضع لمراقبة مشددة من جهار الاسايش (الأمن العام) التابع لقسد، ويخضع لحراسة مشددة جداً.
يتواجد في مخيم المهاجرات عدد كبير من النساء والاطفال الاجانب، المخيم ظاهرا يوحي بالسكينة والهدوء لكن داخل المخيم الشبيه بالسجن داخل السجن هناك الكثير من المشاكل.
هناك تجمع اخر من الخيم معزولة داخل مخيم الهول تضم عدد من النساء من جنسيات عراقية ومغاربيات هن من يتحكمن بالحياة داخله، ويزرعن الرعب داخل اسوار هذا المخيم الصغير، حتى ان هناك جهاز حسبة صغير متواجد داخله مكون من نساء عراقيات، مهمته مراقبة اللباس الشرعي لنساء “داعش”، وضبط المخالفات الشرعية وتنبيههن بالتوعية الدينية، وغالبا ما يصل الامر للضرب والاهانات بحق النساء المخالفات.
المشاجرات والخلافات كبيرة جدا داخل مخيم المهاجرات، ففي اواخر العام 2018 حصلت مشكلة كبيرة داخل المخيم الصغير بين عدد من النسوة بسبب ضبط الحسبة لامرأة تونسية تدخن (السجائر) في خيمتها، لتتعرض الاخيرة لضرب مبرح نقلت بعده للمركز الصحي ولم يعرف الامن العام من هم الجناة بسبب التستر عليهن، على الرغم من محاولات “الاسايش” معرفة الجناة وحتى المرأة التي تعرضت للضرب لم تجرأ على توجيه التهمة لأحد.
حرائق وضرب وعنف
ومؤخرا وفي الشهريين الماضيين من عام 2019 وبعد وصول اعداد كبيرة من النساء الاجنبيات للمخيم الصغير، (مخيم المهاجرات) كثرت المشاكل مجددا، وهذه المرة لم يتوقف الامر عند الضرب فحسب.
حريقين متتالين لخيمتين في مخيم النساء (المهاجرات)، لم تعرف اسباب حدوثه هل هي حرائق مفتعله ام بسبب مدافئ الغاز (السبب الرئيسي لاغلب الحرائق في المخيم بشكل عام)، حسب المعلومات التي وصلت لــ جهاز الاسايش (حراس المخيم) فإن عددا من الخيم كانت قد احترقت داخل مخيم المهاجرات والحرائق حسب الاسايش مفتعله وبفعل فاعل (حسب معلومات وصلت اليهم).
وتشير اصابع الاتهام للنساء المتشددات من الجنسية العراقية، واللواتي يعمدن لهذه الافعال كعقاب لكل من ينتقد تنظيم “داعش” أو يتطاول على شخصية البغدادي، وحسب المعلومات التي زودنا بها العنصر في الاسايش (خ. و) احد عناصر الاسايش، فأنهم قد تلقوا شكاوى من امرأتين تونسيتين تعرضن للتهديد والشتائم من نسوة عراقيات بسبب لومهن لـ”داعش” على وضعهن الحالي ليتصاعد الخلاف بينهن ويصل للضرب والتهديد، واخيرا احراق خيمة التونسيات.
حياة من الرعب والخوف تعيشها النسوة المهاجرات هناك داخل المخيم، وطلبات استجداء يرسلنها عبر الاعلام الغربي الذي غالبا ما يزور المخيم ويجري لقاءات معهن، ونفس الكلام يكررنه في كل لقاء:
“نريد العودة لبلادنا، لقد غُرر بنا، نحن نادمات، جئنا هنا للعمل الانساني كممرضات”.
حتى الان، لم تتحرك اي دولة بشكل جدي لسحب مواطناتها (الداعشيات) أو اطفالهن على الرغم من تصريحات الولايات المتحدة بهذا الصدد وطلبها من الدول التي لها نساء ومقاتلين لدى داعش بضرورة اخذ مواطنيهم لكن دون جدوى.
بعض الدول سحبت فقط الاطفال ودول اخرى تدرس جلب مواطنيها لدولهم لكن لم تتحرك عمليا.
وبالنسبة لحوادث الحرائق في مخيم الهول بشكل عام فهي تتكرر كثيرا واغلب ضحاياها من الأطفال.
ففي 17 فيفري الماضي، نشب حريق ضخم داخل المخيم راح ضحيته طفلين من الجنسية العراقية، هما زينب الأحمد البالغة من العمر 7 أشهر، وشقيقها زكريا الأحمد البالغ عاماً واحداً من العمر، قيل ان السبب هو انفجار مدفأة كاز داخل الخيمة.
وقبله وفي 25 جانفي حصل حريق اخر ادى لاحتراق 3 خيم راح ضحيته طفلة تدعى براءة الطرابلسي تبلغ من العمر 7 سنوات، واصابة 5 اشخاص اخرين بحروق بليغة.
قبله ايضا توفيت الطفلة اسراء حمزة بنفس السبب ايضا (حريق داخل الخيمة بسبب مدفأة كاز).
عدا الوفيات التي تحصل بسبب البرد وتدهور الوضع الصحي ومنذ بداية العام 2019 لليوم سجلت 35 حالة وفاة لأطفال رضع بسبب البرد الشديد والمرض.
بينما سجلت 12 حالة وفاة لرجال كبار في السن بذات السبب ايضا.
عدا حالتين وفاة بسبب تلوث مياه الشرب التي تنقل للمخيم عبر صهاريج، وفي هذه الاثناء ومنذ الثاني من رمضان يعاني المخيم من قله المياه وهناك ازمة مياه شرب داخله.
الحياة داخل المخيم كارثية
الحياة داخل المخيم بشكل عام كارثية جدا، والمخيم بات يحوي الالاف، ويشكو من قلة الخيم والمنظمات العاملة فيه، وتدهور الوضع الصحي فيه ايضا، عدا تصرفات بعض عناصر قسد السيئة مع النازحين السوريين والعراقيين بشكل عام، حيث يقوم جهاز الاسايش بحملات تفتيش بشكل دوري ومفاجئ اغلب الاحيان بحثا عن من يسرب اخبار المخيم أو من يتواصل مع جهات معادية لقسد، أو مع اشخاص يميلون لتنظيم داعش، ومن تلك الحوادث قبضهم على فتاة نازحة من السخنة من حمص، حيث عثروا في جهاز الموبايل الخاص بها على اناشيد للتنظيم، تم تحويلها لسجن عين عيسى للتحقيق ثم تم نقلها لمخيم المهاجرات داخل الهول.
تم القبض على شاب يبلغ من العمر 18 سنة بسبب وضعه لعلم الثورة كخلفية لموبايله وتم نقله للحسكة بعد ضربه امام اللاجئين داخل المخيم، وردا على سوء الوضع هناك يخرج قاطنو المخيم من السوريين من ابناء دير الزور بمظاهرات متكررة بين الفينة والاخرى مطالبين بالخروج وتحسين الوضع المعيشي داخل المخيم.
المصدر : يورابيا
التعليقات مغلقة.